وقال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (7/ 337): إنه حديث معلول لا يثبت مثله.
وقال في المنار المنيف (41): هذا الحديث معلول، أعله أئمة الحديث.
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 351): إن في سنده ضعفا.
ومضى تضعيف أئمة آخرين للحديث ضمن الكلام على الطرق.
وممن ضعفه من المعاصرين سماحة الشيخ ابن باز في التحفة الكريمة (33).
والتحقيق والتفصيل في طرق الحديث تؤيد ما ذهبوا إليه وحكموا به.
وخالفهم البغوي، فقال في شرح السنة (5/ 133): هذا حديث حسن غريب! وعمرو بن دينار هو قهرمان آل الزبير، وعمرو بن دينار المكي أثبت وأقدم.
كما اجتهد الإمام الألباني وصحح الحديث في السلسلة الصحيحة (3139) وغيرها، وهكذا كثير من المعاصرين، ولم تتبيّن لهم علل الحديث على حقيقتها، ولا عدم صلاحية طرقه للاعتبار، والأمر كما اتفق الأئمة من الحفاظ، فحديث ابن عمر منكر، ولا أصل له عن سالم من رواية الثقات، ولا عن غيره كذلك.
وقد رُوي معناه عن عدد من الصحابة:
حديث عبد الله بن عمرو:
رواه حميد بن زنجويه -ومن طريقه البغوي في شرح السنة (5/ 133 رقم 1339) - عن عثمان بن صالح، أنا ابن لهيعة، عن أبي قبيل حيي بن هانئ، عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بمعناه، ولفظه:
"من ذكر الله في السوق مُخلصاً عند غفلة الناس وشُغلهم بما هم فيه، كتب الله له ألف ألف حسنة، وليغفرن الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر".
قلت: ابن لهيعة ضعيف، ويظهر أن هذا من تخاليطه، وأنه دخل عليه حديث ابن عمر السابق فجعله عن ابن عمرو، ومتنه فيه غرابة.
وفي النفس من هذا التفرد الغريب بالحديث، الذي لم يذكره أحد من الحفاظ الكثر الذين تكلموا على طرق الحديث، مع أن ابن لهيعة أحسن حالا من عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، ويُلاحظ أن سائر طرق الحديث عن غير ابن عمر مدارها على الكذابين والمتروكين إلا هذا، فأخشى أن تكون هناك علة أخرى خفية، ولعلها من جنس ما ذكره البرذعي لأبي زرعة في سؤالاته (2/ 417 ومن طريقه الخطيب 3/ 162) قائلا: رأيتُ بمصر نحوا من مائة حديث عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار وعطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها: "لا تُكرم أخاك بما يشق عليه". فقال: لم يكن عثمان عندي ممن يكذب، ولكن كان يكتب الحديث مع خالد بن نجيح، وكان خالد إذا سمعوا من الشيخ؛ أملى عليهم ما لم يسمعوا، فبُلوا به.
قلت: وخالد هذا كذاب، كان يفتعل الأحاديث ويضعها في كتب الناس.
حديث ابن عباس:
رواه ابن السني (183) من طريق أبي حفص التِّنِّيسي، عن صدقة، عن الحجاج بن أرطاة، عن نهشل بن سعيد، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن عباس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"من قال حين يدخل السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله: كتب الله عز وجل له ألفي ألف حسنة، ومحا عنه ألفي ألف سيئة، ورفع له ألفي ألف درجة".
وهذا سند مسلسل بالعلل: فأبوحفص ضعيف، وصدقة هو السمين، وهو هزيل في الحديث ضعيفه، وشيخه الحجاج فيه ضعف، وكان يدلس، وقد عنعن، ثم نهشل متروك، وكذّبه ابن راهويه، والضحاك لم يسمع من ابن عباس، ومتنه مخالف للمشهور عن الحديث!
وقال الألباني في الضعيفة (5171): موضوع، وهو كما قال.
حديث علي:
رواه الديلمي في مسند الفردوس (113/أ كما في مسند علي لأوزبك 2/ 725) من طريق عمرو بن شِمْر، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"السوق دار سهو وغفلة، فمن سبّح فيها تسبيحة كتب الله عز وجل له بها ألف ألف حسنة، ومن قال لا حول ولا قوة إلا بالله كان في جوار الله حتى يُمسي".
وعمرو هذا متروك، ورُمي بالوضع.
وعزاه في كنز العمال (4/ 126 رقم 9868) للديلمي، ونقل عن السيوطي قوله: فيه عمرو بن شمر، وهو متروك.
حديث أنس:
رواه أبوعبد الرحمن السلمي -ومن طريقه ابن العديم في تاريخ حلب (2/ 1005) - قال: أخبرنا أبوجعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو علي الحسين بن داوود البلخي إملاء، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: حدثنا حميد، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دخل سوقا من أسواق المسلمين، فقال: لا إله إلا الله وحده، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحي عنه ألف ألف سيئة، وبنى له قصرا في الجنة".
قلت: البلخي قال عنه الخطيب: لم يكن ثقة، فإنه روى نسخة عن يزيد، عن حميد، عن أنس، أكثرها موضوع.
وقال الحاكم في التاريخ: روى عن جماعة لا يحتمل سنُّه السماع منهم، مثل ابن المبارك، وأبي بكر بن عياش، وغيرهما، وله عندنا عجائب يُستدل بها على حاله. (انظر اللسان 2/ 283)
وأما الرواي عنه فضعفه الدارقطني في غرائب مالك، وأنكر عليه الحاكم حديثا، وساق له الذهبي آخر، وقال: لا أعرفه، لكن أتى بخبر باطل هو آفته. (انظر اللسان 5/ 39 - 40 و51).
فالحديث موضوع.
مرسل أبي صالح:
قال الدارقطني في غرائب مالك (كما في لسان الميزان 6/ 9 - 10): حدثنا محمد بن فارس بن حمدان المعبدي من كتابه، حدثنا سلام بن محمد بن ناهض المقدسي، حدثنا مخلد بن القاسم، حدثنا أبو مقاتل السمرقندي، عن مالك، عن سُميّ، عن أبي صالح رفعه: "من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له" الحديث.
قال الدارقطني: وهو مرسل، وهو غير محفوظ عن مالك، ولا عن سمي، ومخلد ضعيف، ومن دونه.
قال ابن حجر: وأبومقاتل هو حفص بن سَلْم.
قلت: وهو متروك، ورُمي بالكذب، كما في اللسان (2/ 322).
وسنده غاية في النكارة، فالحديث موضوع، والله أعلم.
فهذا ما وقفتُ عليه من شواهد للحديث بمعناه، وكلها واهية، وذُكرت له شواهد أخرى لكنها قاصرة، فالحديث لا يرتفع حاله، وهو منكر شديد الضعف، والله تعالى أعلم.
وأفرده بعض المعاصرين بالتأليف، ومنهم الشيخ عادل السعيدان، والشيخ سليم الهلالي، إلا أن الثاني ممن صححه.
¥