خالفهما يحيى بن سليم الطائفي، فرواه عن عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، فذكره.
أخرجه الترمذي في العلل الكبير (674)، والحاكم (1/ 539)، وابن عدي في الكامل (5/ 91)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (3/ 304).
وقد اختلف في عمران بن مسلم هذا: هل هو عمران بن مسلم المنقري أبو بكر القصير البصري؟ أم هو غيره؟.
ففرق بينهما: البخاري، وابن أبي حاتم، وابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان، وابن عدي، والعقيلي، وأبو نعيم الأصبهاني، وابن الجوزي، والذهبي، وهو ظاهر صنيع الخطيب في موضح اوهام الجمع والتفريق، حيث لم يتعقب أحدا في التفريق بينهما، إلا أنه لم يشر له بذكر في المتفق والمفترق [راجع: المتفق 3/ 1709، وانظر: التاريخ الكبير 6/ 419)، التاريخ الأوسط (2/ 130)، الضعفاء الصغير (271)، الجرح والتعديل (6/ 304، و 305)، الضعفاء لأبي نعيم (173)، الضعفاء والمتروكون لابن الجوزي (1/ 222/2539)، التهذيب (6/ 247)، الميزان (3/ 242، و243).
وجعلهما الدارقطني واحدا، فقال في العلل (4/ 57/أ): هو عندي عمران القصير، ليس فيه شك، وتبعه على ذلك المزي في تهذيب الكمال (5091)، وابن حجر في تهذيب التهذيب (6/ 247) وهو وهم.
واما ابن حبان، فقد جعلهما واحدا، إلا أنه فرق بين الرواة عن عمران القصير، وبين الرواة عن هذا، ولذا فقد اضطرب فيه، فأورده مرة في الثقات (7/ 242)، ومشاهير علماء الأمصار (1215)، وأورده اخرى في المجروحين (2/ 123)، وقال فيه: فأما رواة أهل بلده عنه، فمستقيمة تشبه حديث الأثبات، وأما ما رواه عنه القربى، مثل: سويد بن عبد العزيز، ويحيى بن بن سليم، وذويهما ففيه مناكير كثيرة، فلست ادري؟ أكان يدخل عليه فيجيب؟ أن تغير حتى حمل عنه هذه المناكير، على ان يحيى بن سليم، وسويد بن عبد العزيز جميعا يكثران الوهم والخطأ عليه ... ).
وقال في مشاهير علماء الأمصار: من المتقنين، ليس في احاديثه التي رواها بالبصرة إلا ما في أحاديث الناس، ما حدث بمكة فيها مناكير كثيرة، كانه يحدثهم بها من حفظه، فكان يهم في الشيء بعد الشيء، سماع يحيى بن سليم، وسويد بن عبد العزيز عنه كان بمكة.
قلت: لو أنه تبع في التفريق بينهما الأئمة الجهابذة لكان أولى من هذا التكلف، بل إن صنيعه هذا ليؤكد أنهما اثنان لا واحد، احدهما بصري ثقة كثير الرواية، والأخر: مكي قليل الرواية، منكر الحديث.
ورحم الله الإمام أحمد، فقد سئل عن التفريق بينهما، فسكت، إلا انه أدلى بدليل قوي يدل على المفارقة بينهما، وعلى نكارة هذا الإسناد، قال أبو داود: قلت لأحمد: يحيى بن سليم، عن عمران القصير، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قال في سوق من أسواق المسلمين، مثل حديث قهرمان أل الزبير؟ قال أحمد: عمران لم يحدث عن عبد الله بن دينار، وهذا حديث منكر، فقلت لأحمد: لعله غير ذاك، اعني: لعل عمران هذا غير عمران بن مسلم أبي بكر البصري القصير؟ فسكت أحمد (مسائل أحمد لأبي داود 1879).
قال الترمذي بعد هذا الحديث: سألت محمدا (يعني: البخاري) عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث منكر، قلت له: من عمران بن مسلم هذا؟ هو عمران القصير؟ قال: لا. هذا شيخ منكر الحديث.
وقال البخاري في تواريخه الثلاث: بألفاظ متقاربة: عمران بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، سمع منه: يحيى بن سليم: منكر الحديث. وروى قوله: العقيلي، وابن عدي.
وقال أبو حاتم لما سأله ابنه عن هذا الحديث: هذا حديث منكر (العلل 2/ 181). وقال في عمران: منكر الحديث، وهو شبيه المجهول.
وقال ابن أبي حاتم: وهذا الحديث هو خطأ، وإنما أراد عمران بن مسلم: عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، عن سالم، عن أبيه، فغلط وجعل بدل: عمرو، عبد الله بن دينار، وأسقط سالما من الإسناد، ثم ساق الحديث بإسناده من طريق بكير بن شهاب الدامغاني.
وبهذا يظهر أن البخاري وأبا حاتم وابنه قد أعلوا هذا الحديث بعمران بن مسلم المكي هذا، فإنه منكر الحديث، ورجح ابن أبي حاتم عليه رواية الدامغاني – مع كونه منكر الحديث أيضًا – إلا أنه وافق فيها الثقات الذين رووا الحديث على وجهه عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن ابيه، عن جده، ليس فيه ذكر عبد الله بن دينار، إذ الحديث معروف بعمرو بن دينار كما تقدم ذكر كلام الأئمة في ذلك.
وأما الدارقطني فلكونه جعل عمران بن مسلم هذا هو المنقري الثقة، فقد أعل الحديث بيحيى بن سليم الطائفي فقال في العلل (4/ 57/أ): وهو فيه، وكان كثير الوهم في الأسانيد، وخالفه بكير بن شهاب الدامغاني، ويوسف بن عطية الصفار.
قلت: ولعل الصواب مع البخاري وأبي حاتم، وابنه في تعليل الحديث بعمران المجهول هذا، إلا أنه يكفينا من الدارقطني أنه وافقهم على إنكار هذه الرواية، واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة، وهم هنا قد اتفقوا على غنكار هذا الإسناد، وأن المعروف فيه هو: عمران بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن سالم، عن أبيه، عن جده به مرفوعا، فرجح الحديث إلى عمرو بن دينار مثل رواية الجماعة.
وقد تقدم الكلام على هذا الإسناد تحت الحديث رقم (298) ولاصته: أن هذا الحديث منكر، إذ لا يعتبر بما تفرد به عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، عن سالم دون بقية أصحابه، فقد روى عمرو، عن سالم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث منكرة، وعامة حديثه منكر، وعمرو هذا مجمع على ضعفه، وهو شبيه المتروك، وقد أنكر حديثه هذا الأئمة، وقد تقدم نقل كلام بعضهم فيه، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال أبو حاتم: هذا حديث منكر جدا، لا يحتمل سالم هذا الحديث (العلل 2/ 171)، وانظر ترجمته في: (التهذيب 6/ 142، الميزان 3/ 259).
¥