وقد رجّح الدارقطنيُّ الوجه الثاني، قال بعد ذكر روايات الحديث في العلل (2/ 32): «والصحيح من ذلك قول عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر»، ورجحه البيهقي، قال في سننه (2/ 9) بعد أن أخرج رواية ابن المجبر عن نافع ورواية ابن نمير عن عبيد الله عن نافع: «والمشهور رواية الجماعة حماد بن سلمة، وزائدة بن قدامة، ويحيى بن سعيد القطان، وغيرهم، عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عن عمر من قوله ... وكذلك رواه غيرهما - يعني: ابن المجبر وعبيد الله - عن نافع».
وما قالاه صحيحٌ، إلا أنه لا ينبغي إهمال رواية مالك وأيوب عن نافع، فقد تنازع فيهما أهل العلم، أيهما أقوى أصحاب نافع!
وقد ساوى ابن معين بين الثلاثة: مالك وأيوب وعبيد الله، قال ابن رجب في شرح العلل (2/ 668): «قال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى: أيوب أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟ قال: كلاهما، ولم يفضل، قلت: فمالك أحب إليك عن نافع أو عبيد الله؟ قال: كلاهما، ولم يفضل».
واجتماع غير راوٍ إلى عبيد الله في روايته عن نافع عن ابن عمر عن عمر، يعطي هذه الرواية قوةً لتقابل رواية أيوب ومالك عن نافع عن عمر.
فالروايتان متقاربتان في القوة عن نافع، ونافع حافظٌ كبير، وإمامٌ واسعُ الرواية، يحتمل منه تعدُّد الأسانيد، ولا يُصار إلى القول باضطرابه مع ثبوت الأسانيد عنه.
فيبدو - والله أعلم - أن نافعًا - رحمه الله - كان يروي الحديث على الوجهين، فمرةً رواه عن عمر مباشرة، ومرةً رواه عن ابن عمر عن أبيه.
وكأن ابن عبد البر - رحمه الله - على هذا، إذ لم يُعلّ إحدى الروايتين بالأخرى، قال في الاستذكار (2/ 457، 458): «وأما حديث مالك في هذا الباب عن نافع أن عمر بن الخطاب قال: (ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا توجه قِبَل البيت، فقد وصله عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال عمر: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)».
ولا يُقال: إن هذا تدليسٌ من نافع، لأن نافعًا لم يدرك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، فروايته عنه مرسلةٌ معلومةُ الإرسال، ولا احتمال للاتصال يمكن أن يُتوهم بالعنعنة.
هذا،
وقد رواه اثنان موقوفًا على ابن عمر - رضي الله عنهما -:
فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (7433) من طريق عبد الله بن بريدة،
وفي (7434) من طريق القاسم بن عبد الرحمن،
كلاهما عن ابن عمر موقوفًا عليه.
فأما القاسم بن عبد الرحمن، فلم يسمع من ابن عمر، كما صرّح بذلك ابن المديني في العلل ومعرفة الرجال له (ص311 ط. سرساوي)، قال: «كان يحدث عن ابن عمر بحديثين، ولم يسمع من ابن عمر شيئًا، كان يحدث عن ابن عمر: «ما بين المشرق و المغرب قبلة»، وحديث آخر».
فهذه الرواية ضعيفة بالانقطاع.
وأما عبد الله بن بريدة، فوجدت له تصريحًا بالسماع من ابن عمر في بعض حديثه، وروى عن ابن عمر بالواسطة.
فإن كان ثبت سماعُهُ، فروايته ضعيفة، لمخالفته نافعًا في الرواية عن ابن عمر، فإن نافعًا رواه عن ابن عمر عن عمر قوله، وخالفه عبد الله بن بريدة فوقفه على ابن عمر، وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الله، والأكثر على توثيقه، إلا أن نافعًا أوثق منه بلا شك في ابن عمر.
فهذه الرواية شاذة، والروايات التي وقفت الحديث عن عبيد الله بن عمر عن نافع شاذة أيضًا، ولا يتقوّى هذا بهذا.
فنخلص إلى أن الحديث صحيحٌ موقوفًا على عمر - رضي الله عنه -.
وهو ما صححه الإمام أحمد بن حنبل، قال ابن رجب في فتح الباري: «قال - يعني: أحمد -: وهو عن عمر صحيح».
يتبع إن شاء الله.
ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[31 - 03 - 06, 04:02 م]ـ
ثانيًا: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -:
أخرجه الترمذي (342) عن محمد بن أبي معشر،
وابن ماجه (1011) من طريق عاصم بن علي، وهاشم بن القاسم،
والعقيلي في الضعفاء (4/ 308) من طريق أبي النضر،
والطبراني في الأوسط (2924) من طريق الحارث بن عبد الله الخازن،
خمستهم عن نجيح أبي معشر، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.
وقد أخرجه الخليلي في الإرشاد (1/ 300، 2/ 634 - منتخبه) من طريق الحارث بن عبد الله الخازن عن أبي معشر، فجعله: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به، وفي السند من لم أعرفه.
¥