تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الصحة. وهذا الجمع بين النصوص الثلاثة نبهنا إلى ضرورة مراعاة الامر الثالث.

ثالثها: ضرورة جمع ألفاظه المتعلقة بالرجل الواحد أو بالحديثة الواحد، والتنبه لذلك أثناء الاستقراء، كي لا يظن أنها مختلفة المراد، متعددة، وهي في رجل واحد، متفقة متحدة. وقد يريد النظر في الاسناد، لاضطرابه، أو لانقطاعه. ففي " التاريخ الكبير " 5 (389) قال: " عبد الله بن عبد الرحمن. قال يحيى بن قزعة وإبراهيم بن مهدي، عن إبراهيم بن سعد. ح عبيدة، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مغفل. . . ". فذكر طرقا وختمها بقوله: " فيه نظر ". وقال 5 (575): " عبد الله بن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الانصاري الخزرجي، عن أبيه، عن جده. . . "، وختم الترجمة بقوله: " فيه نظر، لانه لم يذكر سماع بعضهم من بعض ". فهذا كقوله: 2 " - " في إسناده نظر ". وقد قال البخاري ذلك في رواة كثيرين، منهم: أوس بن عبد الله الربعي أبو الجوازاء، المترجم في " التاريخ الكبير " 2 (1540). وأوس ثقة عندهم، لذلك فسر ابن عدي هذا القول في " الكامل " 1: 402 بقوله: يريد: " أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا أنه ضعيف عنده ". ويساعده على هذا التفسير صياغة الجملة مقطوعة عما قبلها وبعدها من سباق ولحاق، فهي بظاهرها صريحة في أن المراد: فيما يسنده أوس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق ابن مسعود وعائشة: نظر ووقفة. وزاد ابن عدي هذا الفهم ترسيخا بانه: لم يسمع منهم، ففيما يسنده انقطاع وإرسال، ووافقه على هذا التفسير ابن حجر في " مقدمة الفتح " ص 391 - 392 ترجمة أوس المذكور. أما الذهبي: فانه صنع عجبا! ترجم لاوس هذا 1 (1045) ونقل كلمة البخاري فيه ولم يفسرها بهذا التفسير، وبعد أسطر قليلة ترجم لاويس القرني رحمه الله تعالى 1 (1048) ونقل كلمة البخاري نفسها فيه 2 (1666)، وفسرها ب‍ " أن الحديث الذي روي عن أويس في الاسناد إلى أويس نظر ". وعجبت منه - أولا - لم يفسرها في ترجمة أوس أيضا، مع أنها قبل أسطر، فاخر تفسيرها!! ثم زال عجبي وزاد يقيني بامامة المصنف ودقته. . وقد كان هذا التأمل سببا في انكشا فاوهم في تفسير ابن عدي المذكور. وإليك البيان. قال البخاري في " التاريخ الكبير " 2 (1540): " أوس بن عبد الله الرعبي أبو الجوزاء البصري، سمعت عبد الله بن عمرو، روى عنه بديل بن ميسرة، قال يحيى بن سعيد: قتل أبو الجوزاء سنة ثلاث وثمانين في الجماجم. وقال لنا مسدد: عن جعفر بن سليمان، عن عمرو بن مالك النكري، عن أبي الجوزاء قال: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة، ليس من القرآن آية إلا سألتهم عنها. قال محمد - هو البخاري نفسه -: في إسناده نظر ". قال ابن عدي 1: 402: " وأبو الجوزاء روى عن الصحابة: ابن عباس، وعائشة، وابن مسعود وغيرهم، وأرجو أنه لا باس به، ولا يصحح روايته عنهم: أنه سمع منهم، ويقول البخاري: " في إسناده نظر ": أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائشة وغيرهما، لا لانه ضعيف عندهم، وأحاديثه مستقيمة مستغنية عن أن أذكر منها شيئا في هذا الموضع ". فعجبت من ابن عدي كيف يقول: مراد البخاري أنه لم يسمع من مثل ابن مسعود وعائسشة وغيرهما، والنص صريح أمامه: أقمت مع ابن عباس وعائشة اثنتي عشرة سنة. . .! ونظرت في " مقدمة الفتح فرأيته أخذ هذا التفسير بالتسليم! ثم نظرت في " التهذيب " ترجمة أوس فازاح الاشكال، قال " وقول البخاري: في إسناده نظر ويختلفون فيه: إنما قاله عقب حديث رواه له في " التاريخ " من رواية عمرو بن مالك النكري، والنكري ضعيف عنده "، ثم حكى كلام ابن عدي: لم يسمع من مثل ابن مسعود. . . فتبين من هذا: أن معنى قول البخاري " في إسناده نظر ": في الاسناد الموصل إلى المترجم نظر، وهذا هو تماما معنى قول المصنف الذي قاله في ترجمة أويس القرني، وتقدم نقله. وعلى كلام ابن عدي يكون المعنى: في الاسناد منه إلى من فوقه نظر، فينظر فيمن فوقه، هل هو ثقة أو ضعيف، أو: ينظر ما فوقه، هل متصل أو منقطع، فاختلت الحيثية - كما يقولون. وبهذا تبين لي سبب إعراض المصنف عن نقل قول ابن عدي في ترجمة أوس، وتفسيره من عنده في ترجمة أويس. والله أعلم. وعلى كل: فهذه الكلمة من البخاري ليس فيها جرح لذات الرجل، لما تقدم، نيؤكده: أنه قال في أبي خداش زياد بن الربيع اليحمدي (1685): " في إسناده نظر "، ومع ذلك فقد احتج به في " صحيحه ". انظر " الكامل " 3: 1052، و " الميزان " 2 (2937). بقي التنبيه إلى جزئية جانبية وردت في كلام ابن حجر المتقدم، وهي: أن عمرو بن مالك النكري ضعيف عند البخاري، ولم أر تصريحا بذلك، ولا تلميحا، لكن عجبت من ابن عدي وابن حجر نفسه. فابن عدي ترجم للنكري 5: 1799 وصدر الترجمة بقوله: " منكر الحديث عن الثقات، ويسرق الحديث "، وختمها بنحو ذلك. فكيف لا يعل به الخبر الذي أسنده البخاري من طريقه؟. وهذا عجب ثان من ابن عدي في هذه الترجمة الواحدة. وابن حجر - والمزي من قبله - لم ينقلا كلام ابن عدي هذا في ترجمة النكري، بل اقتصرا على أنه مذكور في " ثقات " ابن حبان أن ه قال 7: 228: " يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه ". وكما إهمل المزي وابن حجر كلام ابن عدي هنا، أهمله الذهبي في " الميزان " 3 (6436)، بل لم يذكر فيه شيئا أبدا إلا أنه ثقة! فهو - في الغالب - اعتمد توثيق ابن حبان له. وأخيرا: إن تفسير ابن عدي لقولة البخاري هذه يحتاج هذه يحتاج إلى تتبع ودراسة. فالذي يبدو لي أنه صحيح في بعض دون بعض، فلا بد من النظر في سياق قول البخاري - أي قول له - لنخلص إلى نتيجة صحيحة.

والامر - كما قال شيخنا في تعليقاته على " الرفع والتكميل " ص 391، وعلى " قواعد في علوم الحديث ". ص 257 - " يستحق أن يوليه بعض الباحثين الافاضل تتبعا خاصا، رجاء أن يتوصل به إلى تقعيد قاعدة مستقرة تحدد مراد البخاري من تعبيره المختلفة ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير