قلت وكلمة ابن جرير الأخيرة إنما قالها للإلزام وإلا فهو قد قال في بداية كلامه ((قال أبو جعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال إذا صار كذلك: قد استوى الرجل، ومنها استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره: إذا استقام له بعد أود. ومنه قول الطرماح بن حكيم:
طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده
يعني: استقام به.
ومنها الإقبال على الشيء بالفعل، كما يقال: استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه. ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه. وأولى المعافي بقول الله جل ثناؤه: {ثم استوى إلى السماء فسواهن} علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات))
قلت هذا واضح في أنه اختار معنى العلو والإرتفاع ومثاله علو الرجل على سريره وهذا لا يكون معنوياً فقط كما لا يخفى وقد بتر السقاف هذا الجزء لئلا ينتقض غزله
ولفظة الإرتفاع تدل على العلو الحقيقي
إذ لا يمكن التعبير بها عن العلو المعنوي
قال في اللسان ((ويقال: ارْتَفَعَ الشيءُ ارْتِفاعاً بنفسه إذا عَلا))
والرفعة غير الإرتفاع
وابن جرير من مثبتي العلو
قال ابن جرير في تفسيره لسورة الملك (({أم أمنتم من في السماء} وهو الله))
وقال في تفسير سورة المعارج ((يقول تعالى ذكره: تصعد الملائكة والروح، وهو جبريل عليه السلام إليه، يعني إلى الله جل وعز))
قلت ولا يمكن حمل هذا على العلو المعنوي فيكون المعنى تصعد الملائكة في المكانة إلى مكانة الله والعياذ بالله
وقال في تفسير سورة الأنعام (({واستكبروا عنها} يقول: وتكبروا عن التصديق بها وأنفرا من اتباعها والانقياد لها تكبرا، لا تفتح لهم لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم في حياتهم إلى الله قول ولا عمل، لأن أعمالهم خبيثة. وإنما يرفع الكلم الطيب والعمل الصالح، كما قال جل ثناؤه: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}))
وقال في تفسير سورة فاطر ((يقول تعالى ذكره: إلى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه عليه {والعمل الصالح يرفعه} يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إليه عمله الصالح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلى ما أمر به))
قلت وثبت هذا المعنى عن ابن عباس
فقد قال ابن جرير حدثني علي، ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} قال: الكلام الطيب: ذكر الله، والعمل الصالح: أداء فرائضه؛ فمن ذكر الله سبحانه في أداء فرائضه، حمل عليه ذكر الله فصعد به إلى الله
قلت والسقاف يحتج بما في صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ولا يمكن حمل كلام ابن عباس على العلو المعنوي فيكون الكلم الطيب يصعد في المكانة إلى مكانة الله والعياذ بالله
وهذا يبطل افتراء السقاف على السلف في أنهم كانوا مفوضة او مؤولة
ولقطع دابر المفترين إليك هذا الأثر الثابت
قال البيهقي في كتابه الأسماء والصفات: أنبأنا الحاكم،حدثنا الأصم، حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يحيى بن زياد الفراء قال: "وقد قال عبد الله بن عباس: {ثُمّ اسْتَوَى} صعد، وهو كقولك للرجل كان قاعدا فاستوى قائماً، وكان قائمًا فاستوى قاعدًا، وكل في كلام العرب جائز"
قلت إسناده صحيح ومحمد بن الجهم وثقه الداقطني كما في ترجمته في تاريخ الإسلام للذهبي والفراء إمام في العربية وهو أعلى طبقة من جرير
وهذا يبطل زعم السقاف في أن السلف كانوا يحملون الإستواء على العلو المعنوي فقط
ـ[عبدالله الخليفي المنتفجي]ــــــــ[14 - 08 - 06, 11:02 م]ـ
أخذ السقاف ينسب للإمام أحمد بن حنبل التأويل زاعماً أنه أول المجيء بمجيء الثواب
وقد ورد ذلك عن الإمام في رواية إسحاق بن حنبل
وهي معلولة بتفرد إسحاق وبمخالفتها للثابت المشهور عن الإمام أحمد فإن إسحاق مع وثاقته له أغاليط وأوهام فيما ينقله عن أحمد
¥