ورأى سفيان الثوري تلميذ الأعمش وابن المديني ومن تبعهما: أن الأعمش لم يسمع هذا الحديث من ابي صالح مباشرة, إنما سمعه من رجل عمّاه, ثم أرسله الى ابي صالح تدليسا.
ودليلهم على ذلك:
1 - رواية محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة. (أحمد7368) و (أبو داود517)
2 - رواية ابن نمير عن الأعمش قال: حُدِّثْتُ عن أبي صالح، ولا أراني إلا قد سمعته. (أحمد-المسند 7169).
3 - رواية شجاع بن الوليد عن سليمان بن مهران- الأعمش- قال حُدِّثْتُ عن أَبي صالح عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر مثله. (مشكل الآثار 4/ 228)
أما الروايات الأخرى عن الاعمش كلها قد عنعنها الأعمش, والعنعنة لا تدل على السماع اذا صدرت من أمثال الأعمش الذين ألفوا الإرسال الى الشيوخ والتدليس عنهم.
الرد على رأي المتأخرين في نفي هذه العلة
1 - اما استدلال المتاخرين على سماع الاعمش من ابي صالح, بقول الاعمش " .. ولا اراني الا قد سمعته منه .. "
فهذه لفظة شك من الأعمش على رأي البخاري ولا تدل على السماع. قال ابن القطان: " كما ترى التصريح بالانقطاع في رواية ابن فضيل بزيادة رجل مجهول، والشك في الاتصال، بظن السماع في رواية ابن نمير" (بيان الوهم والايهام 1/ 313)
أما على رأي ابن المديني ومن معه فهو تدليس ذكي من الاعمش, وخاصة ان رواية احمد وغيره جاءت عن ابن نمير بلفظ " ولا اراني الا قد سمعته " دون لفظة "منه" التي تفرد بها الحسن بن علي عن ابن نمير. على ان لفظة " منه " قد تعود على الرجل الذي سمع منه الأعمش, فهو تدليس ذكي استعمله الأعمش مرات.
ومثاله ما قال احمد في حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الضحك في الصلاة. قال وكيع: قال الأعمش: أرى إبراهيم ذكره.
قال احمد قال ابن مهدي قال سفيان: لم يسمع الأعمش حديث إبراهيم في الضحك. (العلل لاحمد 1569).
والاعمش شديد التدليس ويستعمل معاريض الكلام الذي يوهم المستمع غير المعنى المقصود. قال أبو أسامة قال الاعمش- لطالبي الإستماع منه-: "ما أطفتم بأحد إلا حملتموه على الكذب" (سير أعلام النبلاء6/ 228). أي معاريض الكلام.
وقد حدث الاعمش مرة بهذا الحديث فقال: قال: ابو هريرة " الامام ضامن ..... " , فقيل له: إنّك قد ذكرته عن أبي صالح, فقال نعم فخذوه عنه. (مشكل الآثار ج 4 / ص 228). فالغز كلامه
وقال احمد حدثنا ابن مهدي، عن سفيان. قال: قلت للأعمش: حديث البندقة ليس من حديثك؟ قال: ما أصنع به، لم يتركوني. فقالوا له: إن شعبة حدث به عنك". (العلل لاحمد 356).
2 - اما نقل الألباني عن الشوكاني قوله: قال إبراهيم بن حميد الرؤاسي: "قال الأعمش: وقد سمعته من أبي صالح" , فالجواب من وجهين:
أ-ان هذه الرواية لم تنقل في الصحاح ولا في السنن بل لم أجدها في غيرهما, وقد نقلها هنا الدارقطني معلقة دون سند الى إبراهيم الرؤاسي, فالله اعلم بحال الرواة قبل إبراهيم.
ولا أظنها تصح, لأنه لم يوردها أحد من المتقدمين ولا توجد في مصنفاتهم مع شهرة ابراهيم في الكوفة وثقته وكثرة تلاميذه , فمن اين سقطت هذه الرواية على الدارقطني؟
ب-ان هذه العبارة اختصرها الشوكاني , انما وردت في علل الدارقطني كالتالي: " وقال إبراهيم بن حميد الرؤاسي: عن الاعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة. قال الاعمش: وقد سمعته من أبي صالح ...... " (علل الدارقطني س 1968).
وعند مقارنة رواية ابن نمير " ولا اراني الا قد سمعته " مع هذه الرواية " وقد سمعته " يظهر حذف جملة " ولا اراني الا " قبل لفظة " وقد سمعته", فربما سقطت هذة الجملة بفعل النساخ فاصبحت على التحقيق بقد, وهذا الذي أرجحه, والله أعلم.
3 - أما نقلهم قول الدارقطني: " وقال هشيم: عن الاعمش حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة " (علل الدارقطني س 1968) , فهي معلقة الى هشيم.
وكذلك رواها ابو جعفر الطحاوي معلقة الى هشيم بعدما أسند الرواية الأخرى الى شجاع بن الوليد عن الأعمش قال حُدِّثت عن أبي صالح .... ".
ثم قال:" ولكنّ هشيما وهو فوقه قد قال: فيه عن الأعمش قال: " ثنا أبو صالح" والله أعلم بالحقيقة في ذلك ". (مشكل الآثار4/ 228)
فربما أخذها الدارقطني من الطحاوي.
التعليق:
1 - رواية الدارقطني والطحاوي معلقة الى هشيم, ولا ندري حال الرواة الى هشيم.
¥