وبقيت روايتا يحيى الحماني ومنجاب بن الحارث عن شريك،
وقد جاء الحديث عن منجاب على ثلاثة أوجه:
- أحدها: عن شريك عن أبي إسحاق بهذا الوجه، بإسقاط عبد الرحمن بن الأسود،
- والثاني: عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن عبد الرحمن بن الأسود عن ابن مسعود بإسقاط الأسود،
- والثالث: عن يحيى عن أبيه عن أبي إسحاق به بإسقاط عبد الرحمن بن الأسود.
ومنجاب ذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه بعض كبار الأئمة، إلا أن تعدد الروايات عنه هكذا مما لا يحتمل منه، وكأن هذا اضطراب منه في هذا الحديث، والخلاف في هذا الحديث دقيق، لا يضبطه إلا حافظ ذو ضبط.
وأما يحيى الحماني، فاختلف عنه:
فقال الحسين بن إسحاق التستري عنه عن شريك عن أبي إسحاق بهذا الوجه،
وقال إبراهيم الحربي ومحمد بن عبد الله الحضرمي مطين عنه عن حديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود بإسقاط عبد الرحمن بن الأسود.
والحسين بن إسحاق التستري ثقة (تاريخ الإسلام: وفيات 281 - 290، ص157)، إلا أن إبراهيم الحربي ومطينًا حافظان ثبتان، وروايتهما عن الحماني أرجح. وقد يقال: إن الرواية عن الحماني عن شريك تعتضد بحالِهِ معَهُ، فإن للحماني اختصاصًا بشريك، وذُكر أنه كان مستمليَهُ، وقال أبو حاتم الرازي: «لم أرَ أحدًا من المحدثين ممن يحفظ يأتي بالحديث على لفظ واحد سوى يحيى الحماني في شريك ... »، وقال علي بن حكيم: «ما رأيت أحدًا أحفظ لحديث شريك منه» (الجرح والتعديل: 9/ 169، تهذيب التهذيب: 11/ 217)، فالحماني حافظٌ لحديث شريك، ولا يستغرب منه روايته لحديثٍ عنه مع روايته عن غيره. وروايته عن شريك إن لم تكن حسنة، فهي في حيز الضعيف الذي يكتب للاعتبار؛ لما سبق، ولعل كون رواية شريك هنا متابعة لزهير وغيره = يقوّي روايته ورواية الحماني عنه، ويرفعها إلى حيّز القبول، والله أعلم.
ج- زكريا بن أبي زائدة، ورواه عنه جماعة:
أحدهم: ابنه يحيى، واختُلف عنه:
فرواه منجاب بن الحارث عنه على وجهين مختلفين سبق قريبًا ذكرهما وبيان اضطراب منجاب في هذا الحديث، وقد خالفه في الرواية عن يحيى بن زكريا: سهلُ بن عثمان، رواه عن يحيى عن أبيه عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن ابن مسعود، وسهل أحد الحفاظ، وهو أوثق من منجاب، فروايته عن يحيى بن زكريا هي المعتمدة.
الثاني - عن زكريا بن أبي زائدة -: عبد الرحيم بن سليمان، وعنه أبو كريب، واختلف عنه:
فرواه محمد بن القاسم بن زكريا عنه عن عبد الرحيم عن زكريا به بإسقاط الأسود،
ورواه مطين عنه عن عبد الرحيم عن زكريا به بذكر الأسود،
ومطين أحفظ من محمد بن القاسم، بل هو حافظ مشهور، وقد تُكُلِّم في محمد بن القاسم بن زكريا هذا (لسان الميزان: 5/ 347).
الثالث: الفضل بن موسى، وقد رواه عن زكريا به فأسقط الأسود بن يزيد، والفضل وإن كان ثقة ثبتًا، إلا أنه ربما أغرب (تقريب التهذيب: رقم 5419)، قال عبد الله بن علي بن المديني: «روى مناكير» (تهذيب التهذيب: 8/ 275)، ولعل هذا منها، فإن رواية يحيى بن زكريا وهو من كبار الثقات، وابن المروي عنه (زكريا بن أبي زائدة) = على إثبات الأسود بن يزيد في الإسناد وعدم إسقاطه، وتابع يحيى على ذلك عبد الرحيم بن سليمان وإسحاق الأزرق.
الرابع: إسحاق الأزرق، وسبق أن هذا الوجه هو الراجح عنه.
الخامس: إسماعيل بن أبان الغنوي، وهو متروك، وقد رمي بالوضع (تهذيب التهذيب: 1/ 237).
السادس: سلمة بن رجاء، رواه عنه عن أبي إسحاق عن الأسود، بإسقاط عبد الرحمن بن الأسود. وسلمة ضعفه بعض العلماء، وقوى روايته بعضهم، وقال فيه ابن عدي: «أحاديثه أفراد وغرائب، ويحدث عن قوم بأحاديث لا يتابع عليها» (الكامل: 3/ 331، تهذيب التهذيب: 4/ 127)، ولعل هذه الرواية من غرائبه، ودليل ذلك أنه خالف يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، ويحيى ثقة متقن حافظ، ويُقدّم في الرواية عن أبيه على غيره، كما أن سلمة قرن رواية زكريا هذه برواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن ابن مسعود، وسلمة ليس بذاك الحافظ الذي يُقبل قرنه بين الحفاظ متفردًا عنهم بأسانيد مختلفة.
¥