نقول: ليس كل من نقل فضائلاً لأمير المؤمنين $ يكون شيعياً، أو نقل مثالبا لأعدائهم يكون شيعياً، لذلك جعلوا ابن أبي الحديد شيعياً، مع إن الرجل معتزلي، وكم فرق بين الأمامي والمعتزلي، فلو التزمنا بهذا القول، يكون جل علمائكم هم من الشيعة؛ لأن النسائي ينقل لنا في كتابه خصائص أمير المؤمنين وابن عساكر في تأريخه ينقل فضائل لأمير المؤمنين وأحمد ينقل في كتابه فضائل لأهل البيت، وابن حبان كذلك وهلم جرا وهذا لا تلتزمون به.
ثم إن البلاذري لو كان شيعياً لنقلت لنا التراجم والسيّر هذه المقولة، فقد ترجم له ابن النديم وابن عساكر والذهبي وابن حجر وغيرهم، ولم نجد أحداً يصفه بالتشيع، لاسيما الذهبي، المعروف عنه بذكر كل من يشم منه رائحة التشيع، وهذا واضح لمن عنده خبرة في هذا الفن.
وعلى فرض كونه شيعياً، فهو يعد من العلماء الكبار الذين يَعتمدُ عليهم الذهبي وابن حجر وغيرهم في كثير من الأحداث التاريخية والروائية وكذلك في طبقات الرجال. فهو عَلمٌ في الأنساب والرواية والحديث والأدب؛ لذا وصفه الذهبي وغيره بالعلامة، وواضح أن كلمة العلامة صيغة مبالغة لكثرة وغزارة علمه.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:
>البلاذري العلامة، الأديب، المصنف، أبو بكر، أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي البلاذري، الكاتب، صاحب، التاريخ الكبير< (42)
وقال أيضا في تذكرة الحفاظ: عن الحاكم بقوله: كان واحد عصره في الحفظ وكان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجلس وعظه يفرحون بما يذكره على رؤوس الملأ من الأسانيد، ولم أرهم قط غمزوه (43).
وقال ابن كثير في كتاب «البداية والنهاية» نقلاً عن ابن عساكر: كان أديباً، ظهرت له كتب جياد. (44).
ثانياً: قولكم: >هذا إسناد منقطع من طرفه الأول ومن طرفه الآخر، فإن سلميان التيمي تابعي والبلاذري متأخر عنه، فكيف يروي عنه مباشرة بدون راو وسيط؟ وأما ابن عون فهو تابعي متأخر وبينه وبين أبي بكر انقطاع.<
نقول: هذا الإسناد ليس منقطع- من طرفه الأول ومن الآخر ... الخ- وذلك لجهلكم أو للتدليس الذي نقلتموه؛ وذلك لأن البلاذري قال في أول حديثه: >المدائني عن مسلمة بن محارب عن سليمان التيمي وعن ابن عون ..... الحديثأخبرنا الصيمري، حدثنا علي بن الحسن الرازي، حدثنا محمد بن الحسين الزعفراني، حدثنا أحمد بن زهير قال: قال لي يحيى بن معين - غير مرة - اكتب عن المدائني كتبه.<
وقال عن أبي العباس أحمد بن يحيى النحوي: >من أراد أخبار الجاهلية فعليه بكتب أبي عبيدة، ومن أراد أخبار الإسلام فعليه بكتب المدائني.
توفي في ذي القعدة سنة أربع وعشرين ومائتين وكان عالما بأيام الناس، وأخبار العرب
وأنسابهم، عالما بالفتوح والمغازي ورواية الشعر، صدوقا في ذلك. (46)
ووثقه الذهبي قائلا: العلامة الحافظ الصادق أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف المدائني الاخباري. نزل بغداد، وصنف التصانيف، وكان عجبا في معرفة السير والمغازي والأنساب وأيام العرب، مصدقا فيما ينقله، عالي الإسناد ... قال يحيى بن معين ابن معين ثقة ثقة ثقة. (47)
أما ما نقله ابن عدي انه ليس بالقوي (48). فليس له وجه، ولا يصمد أمام توثيق ابن معين، لذلك نجد ان الخطيب البغدادي والذهبي لم ينقلوا تضعيف ابن عدي، بل زادوا في الثناء عليه ومدحه ووصفه بكونه العلامة الصادق المصدق فيما ينقله، وهذه شهادة قل نظيرها وهي شهادة لصدق هذه الرواية.
أما قولكم إن مسلمة بن محارب مجهول، فهذا مدفوع؛ لأن ابن حبان ذكره في الثقات (49)،
أما سليمان التيمي الذي سكت عنه (ابن دمشقية) فهو: سليمان بن طرخان التيمي روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، قال الذهبي: أحد السادة سمع أنسا وأبا عثمان النهدي. (50) وقال ابن حجر: ثقة (51).
¥