تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فاتّباع هذا المنهج في نصوص الكتاب والسنّة أولى وأحقّ؛ لأن إمكان الجمع الذي لا تكلّف فيه ولا تعسُّف، ينفي وجودَ التعارض المتوهَّم بين القرآن والسنة، وبالتالي تصبح هذه السنة كالحالات السابقة، فهي سنةٌ غير معارضةٍ للقرآن في الحقيقة، والمهم هو الحقيقة! لا الظنون الأوليّة والآراء العجلة غير المتثبّتة!!

وبهذا انتهينا أن القسم الأول من السنن المعارضة للقرآن، وهي المعارضة ظاهرًا لا حقيقة: لا يصح ردّها بحجّة مخالفة القرآن، لأنها غير مخالفةٍ للقرآن.

أمّا القسم الثاني: وهي السنن المعارضة حقيقةً للقرآن، والتي لا يمكن الجمع بينها وبين القرآن أبدًا، أو إلا بتعسُّف غير مقبول، فهذه إن لم تكن من باب النسخ، كأن تكون منسوخةً بالقرآن، فهي غير مقبولةٍ عند المحدّثين، وعلى رأسهم الإمام البخاري.

ومن ذلك حديث "خلق الله التربة يوم السبت ... " والذي جعل مدّة الخلق سبعة أيام. فقد ردّه الإمام البخاري وغيره؛ لأسباب، أهمّها أنه يخالف ظاهر القرآن في مثل قوله تعالى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ" [الحديد:6]. فانظر المنار المنيف لابن القيّم (84 - 86 رقم 153) وأمّا من قبل هذا الحديث، فإنه قبله لأنه جمع بينه وبين الآية، كما تجده في مختصر العلو للألباني (رقم 71).

وهذا يدلّ على أن منهج عدم قبول ما عارض القرآن معارضة حقيقيةً منهج لم يكن البخاري وغيره من أئمة السنة غافلين عنه، بل كانوا يطبّقونه وهو منهجٌ أصيلٌ في نقد السنّة، مارسه جماعةٌ من الصحابة والعلماء، كما تجد أمثلته في كتاب (مقاييس نقد المتون) للدكتور مسفر الدميني (61 - 75)، و (مقاييس ابن الجوزي في نقد متون السنة) للدكتور الدميني نفسه (45 - 52). فلا يصح أن تُطرح مسألة مراعاة عدم مناقضة السنة للقرآن وكأنّها نقدٌ جديد يريد أن يمارسه المعاصرون؛ لأن المتقدّمين أغفلوه!! لا يصح هذا الطرح؛ لأن أئمة النقد كانوا أَرْعى الناس لهذا النقد المهم، وأقواهم نظرًا إليه، وأحرصهم عليه.

ومعنى ذلك: أن كل حديث صحّحه البخاري فهو عنده غير مناقض للقرآن، وليس من العلم والإنصاف أن نحاول إيهام أنه كان غافلاً عن مراعاة هذا الشرط، والذي يدخل ضمن شرطي انتفاء الشذوذ والعلّة الخفيّة، اللذين هما شرطان معلومان من شروط صحّة الحديث عند المحدّثين.

وإذا كان البخاريُّ مراعيًا لعدم مناقضة أحاديث كتابه للقرآن الكريم، وهو الإمام في فقهه وعمق فهمه ودقيق استنباطاته، فما أشدّ عجلة الذي يتوهَّم أنه سينتقدُ عليه حديثًا من هذه الجهة!!

وأخيرًا: لكي يكون الكلامُ علميًّا (ولا يكون علميًّا إلا بدليل): فإني أُطالبُ أيَّ طاعن في صحيح البخاري أن يذكر لي حديثًا واحدًا فقط أخرجه البخاري وهو مناقضٌ للقرآن؟ فإني أدّعي أني قادرٌ على بيان أن ما توهّمه هذا الطاعن في ذلك الحديث تعارضًا حقيقيًّا بينه وبين القرآن ليس كما توهّمه، وسوف أُثبت –إن شاء الله تعالى- أنه إن وُجد التعارض فهو تعارضٌ ظاهري، كما سبق بيانه، وهذا التعارض الظاهري يقع بين آيات القرآن، فلا يتّخذه مطعنًا في الكلام (سواء كان الكلام قرآناً أو سنة أو كلامًا للعقلاء) إلا من لا يريد أن يتّبع منهج الإنصاف والحق.

وإني أعيد وأعلن هذا التحدّي، فعلى من كان معارضًا لما ذكرتُ أن يبدأ بالاستدلال لصحّة رأيه، ليجد جوابي المقنع بفضل الله تعالى وقوّته!!

على أني لا أريد من هذا الإعلان للتحدّي غلبةً ولا تنافسًا، لكني أريد أن يكون مَسَارُ نقاشنا مع المخالفين علميًّا، مبنيًّا على الأدلّة، لا على مجرّد الأقاويل العريّة عن البراهين. إذ لا يصح أن أفترضَ وُجُودَ تعارضٍ حقيقيّ بين حديث في صحيح البخاري وآيةٍ في القرآن الكريم افتراضاً فقط، وأعّدُّ هذا مطعنًا في صحيح البخاري، ثم لا يكون لديّ حديثٌ واحد يشهد لصحّة هذا الافتراض!!! كما أنه لا يكفي مجردّ ادّعاء وجود تعارض حقيقيّ بحديثٍ أو أكثر، حتى يعجز المخالف لك، والذي ينفي وجود مثل هذا التعارض، فلا يُوجِّه ذلك التعارض بما يدل على أنه ليس تعارضاً حقيقياً، ويثبت أنه تعارضٌ مُتَوهَّمٌ؛ سببه سوء الفهم لدى ذلك المتوهِّم لوجود التعارض. ومن هنا أدخل في الجواب عن سؤاله التالي؛ لأنه أراد أن يضرب مثالاً على الأحاديث الباطلة في صحيح البخاري.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير