تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن دأب ابن حجر في كتبه –ولا سيما " فتح الباري " – أنه يغادر حديثًا في بابه مؤيدًا للحنفية، مع علمه، ثم يذكره في غير مظانه، لئلا ينتفع به الحنفية. وقد نقل الشيخ أبو غدة ص (9) من "الرفع والتكميل"، كلام الكشميري عن ابن حجر بأنه: «لا يريد أن ينتفع الحنفية من كلامه ولو بجناح بعوضة. فإن حصل، فذلك بلا قصد منه». وقال أبو غدة أن هذه الكلمة: «كلمة عادلة». وقال محمد أنور الكشميري كذلك عن ابن حجر أنه: «يتطلب دائمًا مواقع العلل، ويتوخى مواضع الوهن من الحنفية، ولا يأتي في أبحاثه ما يفيد الحنفية، ويقول شيئاً، وهو يعلم خلاف ذلك. ولا يليق بجلالة قدره ذلك الصنيع. وحاشايَ أن أغض من قدر الحافظ ابن حجر الذي يستحقه، وإنما هي حقائق ناصعة، ووقائع ثابتة، يجب على الباحث الناقد أن يعرفها. عفا اللّه عنه، وبدّل سيئاته حسنات».

ثم إن ابن حجر ذكي جداً عندما يريد أن يطعن في غيره دون أن يبدو متعصباً عليه. فيقوم بنقل أقوال غيره في جرح هذا الرجل. فعلى سبيل المثال فإن ابن حجر نقل ترجمة الطحاوي التي ذكرها الذهبي في تذكرة الحفاظ (3\ 809)، فأعادها في لسان الميزان (1\ 275)، لكن مع تطويلٍ ولمزٍ وغمز في الطحاوي، كعادته في تراجم علماء الأحناف، مع التزام أن الجرح منقولاً عن غيره حتى لا يُتّهم بالتعصب. فيما يغض النظر عن كثيرٍ من أخطاء أبناء مذهبه –الشافعية– وإن عظمت. فهل تراه ترجم للبيهقي مثلاً بنفس هذا الإسلوب؟ رغم أن البيهقي نظير الطحاوي في انتصاره للشافعية مقابل انتصار الطحاوي للأحناف.

وقد فعل ذلك بترجمات الكثير من العلماء بما فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية. وتحامل الحافظ على ابن تيمية رحمهما الله تعالى موجود وعليه دلائل كثيرة. وترجمته له في الدرر الكامنة تضمنت نقولاً –لا هو أسندها ولا بين مآخذها– في النيل منه وضعها بإزاء كلام الأئمة المعروفين فيه. ولا يعكر على ذلك بعض عبارات يقف عليها الباحث في كلام الحافظ رحمه الله في وصف شيخ الإسلام بالحفظ ونحو ذلك، فقد أُثِرَ عن السبكي الكبير ما هو أبلغ في المدحة من هذه العبارات، مع كونه من أشد خصومه وأكثر المتعصبين عليه.

والذي يظهر لي كذلك أن ابن حجر كان في بداية حياته وأوائل مؤلفاته مائلاً عن شيخ الإسلام ابن تيمية، وذلك جلي في ترجمة شيخ الإسلام في كتابه "الدرر الكامنة". حيث غالب ما نقله عن غيره هو جرحٌ في ابن تيمية لا يصح أصلاً، وهو أدرى بذلك ولم ينبه عليه. وكأنه أراد بشكل خفي أن يطعن شيخ الإسلام بكلام غيره. وإلا فلم ينقل الجرح الباطل ولا يجيب عليه؟! كما أنك تلحظ في كتبه جفوة حين يذكر ابن تيمية، وكثيراً ما يتهمه بتهم باطلة. ولكنه قد تغيّر واعتدل في بعض كتبه الأخيرة، فأثنى عليه كما في كتاب ابن ناصر الدين.

قال ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان (6\ 319) عن شيخ الإسلام ابن تيمية: «وجدته كثير التحامل إلى الغاية في رد الأحاديث التي يوردها ابن المطهر (الزنديق الرافضي الشهير). وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه رد –في ردّه– كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها، لأنه كان لاتساعه في الحفظ يتكل على ما في صدره. والإنسان عامد للنسيان. وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي، أدّته أحياناً إلى تنقيص علي».

أقول هذا كذبٌ على شيخ الإسلام. وأين انتقص علياً رضي الله عنه؟ بل كتبه طافحة في الثناء عليه وعلى بنيه. وهل يستطيع ابن حجر أن يأتينا بحديثٍ بين شيخ الإسلام ضعفه، ولم يسبقه أحد؟ أم أنها محاولة للطعن بشيخ الإسلام لغرضٍ في النفس؟

قال العثماني الحنفي تعليقاً على كلام ابن حجر: «ومما رذّه ابن تيمية من الأحاديث الجياد في كتابه "منهاج السنة"، حديثُ ردِّ الشمس لعلي (ر). ولمّا رأى الطحاويَّ قد حسّنه وأثبته، جَعَلَ يَجرح الطحاوي بلسانٍ ذَلْقٍ وكلامٍ طَلْق. و أيمُ الله إن درجةَ الطحاوي في علم الحديث، فوق آلافٍ من مثل ابن تيمية. وأين لإبن تيمية أن يكون كتُرابِ نعليه! فمثلُ هؤلاء المتشدّدين لا يُحتج بقولهم إلا بعد التثبت والتأمل». قلت: لا والله -والحق يُقال- بل إن درجة ابن تيمية في الحديث فوق الطحاوي. وأما حديث رد الشمس فهو موضوع لا يخفى ضعفه على أحد. بل إن الإمام أبا حنيفة نفسه استنكره. فما بالك بباقي الحفاظ؟ ولم لا نجد هذا الهجوم على من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير