وَالْخُلاصَةُ، فَقَبُولُ رِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْمَجْهُولِ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ يَكُونَ بِمَثَابَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْعَارِفِينَ بِدَقَائِقِ وَتَفَاصِيلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، بَلْ يَكْفِي فِي قُبُولِ رِوَايَتِهِ التَّحَرِي وَالتَّوَثُّقُ مِنْ صِدْقِ وَضَبْطِ شَيْخِهِ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ حَمَلَةِ الْعِلْمِ، لا يَمْتَازُ فِيهِ أَئِمَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَلَى غَيْرِهِمْ. وَلِهَذَا قُبِلَتْ رِوَايَةُ أَمْثَالِ: عَلْقَمَةَ بْنِ أُمِّ عَلْقَمَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، وَحُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ وَأَشْبَاهِهِمْ عَنْ شُيُوخِهِمْ الْمَجَاهِيلِ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[05 - 12 - 06, 01:33 ص]ـ
قُلْتَ عَفَا اللهُ عَنْكَ: وأما قولك: مَعَ احْتِجَاجِ رُفَعَاءِ الأَئِمَّةِ وَرَأْسُهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِالْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ.
فأقول: نعم الإمام مالك - رحمه الله - إذا روى عن المجاهيل فإن هذا المجهول يحتج بحديثه كما بينت أعلاه، لأن الإمام مالك - رحمه الله - من الثقات الأثبات فقد قيل عنه: أنه لا يروي إلا عن الثقات، فلهذا يحتج برواية المجهول الذي روى عنه إمام مثل الإمام مالك -رحمه الله -. وحديثي معك عن الثقة الفرد الذي لم يعرف عنه أنه يروي عن الثقات.
ـــ،،، ـــ
وَأَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ أَعْجَبُ مِنْ سَابِقِهِ، وَقَدْ لا يَكُونُ جَوَابَاً، بَلْ هُوَ تَصْدِيقٌ لِمَا قَرَّرَنَاهُ مِنْ الاعْتِبَارِ بِرِوَايَاتِ الثِّقَاتِ عَنْ شُيُوخٍ لَهُمْ مَجَاهِيلَ، وَبِتَصْحِيحِ الأَئِمَّةِ: مَالِكٍ وَالْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِمْ لِرِوَايَاتِهِمْ.
وَقَدْ بَيَّنْتُ آنِفَاً أَنَّه لا مَعْنَى لإِدِّعَاءِ شَرْطٍ جَرَي عَمَلُ أَئِمَّةِ الصِّحَاحِ عَلَى خِلافِهِ، وَقُلْتُ: فَقَبُولُ رِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْمَجْهُولِ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ يَكُونَ بِمَثَابَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْعَارِفِينَ بِدَقَائِقِ وَتَفَاصِيلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، بَلْ يَكْفِي فِي قُبُولِ رِوَايَتِهِ التَّحَرِي وَالتَّوَثُّقُ مِنْ صِدْقِ وَضَبْطِ شَيْخِهِ فِيمَا يَرْوِيهِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ جَمِيعِ حَمَلَةِ الْعِلْمِ.
ثُمَّ أَلَسْتَ قَدْ اقْتَنَعْتَ بِأَنَّ مَالِكَاً يَحِتَجُّ بِرِوَايَةِ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ، فَضِفْ إِلَيْهَا قَرِينَتَهَا، وَهِي: الاعْتِبَارُ بِرِوَايَةِ الثِّقَةِ عَنْ شَيْخِهِ الْمَجْهُولِ، أَيَّمَا كَانَ هَذَا الثِّقَةُ: عَالِمَاً أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ.
ثُمَّ لَوْ أَرَدْتَ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ مِنْ صَنِيعِ الإِمَامِ الْبُخَارِيِّ كَنَحْوِ صَنِيعِ مَالِكٍ لَكَانَتْ الأَمْثِلَةُ عَشَرَاتٍ.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[05 - 12 - 06, 02:15 ص]ـ
قُلْتَ عَفَا اللهُ عَنْكَ: وأما قولك: (وثقه ابن حبان).
فأقول: وي وي ابن حبان - رحمه الله - يا شيخي الفاضل - بارك الله فيك - قد وثق خلقاً عظيما من المجهولين، فهو ممن يتساهل كثيراً في توثيق المجاهيل.
ـــ،،، ـــ
وَأَقُولُ: وَبِمِثْلِ تَعَجُّبِكَ أَتَعَجَّبُ ثَلاثَاً، بَلْ سَبْعَاً، وَلَكِنْ أَزِيدُكَ تَعْرِيفَاً وَتَذْكِيرَاً بِمَا نَسِيتَهُ مِنْ لازَمَاتِ قَوْلِكَ وَقَنَاعَاتِكَ، أَلَسْتَ مُقْتَنِعَاً بِمَا عَرَّفَنَاكَ مِنْ احْتِجَاجِ مَالِكٍ بِعَشَرَاتٍ مِنْ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ، فَقُلْ عَنْهُ كَمَا قُلْتَ عَنِ ابْنِ حِبَّانَ، وَعِبْهُ بِمَا عِبْتَهُ بِهِ، فَهَذَا يُصَحِّحُ لِلْمَجَاهِيلِ، وَهَذَا يُوَثِّقُهُمْ. وَكَمَا سَتَقُولُهُ عَنْهُمَا، فَقُلْهُ كَذَلِكَ عَمَّنْ جَرَي مَجْرَى مَالِكٍ فِي تَصْحِيحِ أَحَادِيثِ الْمَجَاهِيلِ وَالْمَجْهُولاتِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَوْسَاطِهِمْ، بَدْءَاً بِالإِمَامِ الْبُخَارِيِّ وَانْتِهَاءَاً بِالْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ، وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ، وَهَؤُلاءِ كَثِيْرُونَ لا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً.
وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ عِنْدَ الْعُقَلاءِ فِي الانْكِفَافِ عَنْ مُتَابَعَةِ الأَحْكَامِ الْخَاطِئَةِ فِي حَقِّ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ الْعَارِفِينَ بِأَسْبَابِهِ وَشَرَائِطِهِ.
ثُمَّ أيُّهَا الْفَاضِلُ: كَيْفَ تَنَاسِيْتَ أَنَّ قَوْلَنَا: وَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ هُوَ مُرَجِّحٌ مِنْ جُمْلَةِ الْمُرَجِّحَاتِ السِّتِّ، وَلَيْسَ دَليِلاً بِذَاتِهِ؟!.
¥