وهذا غريب سندا ومتنا، سلم بن المغيرة ضعفه الدارقطني (تاريخ بغداد 9/ 147 واللسان 3/ 65)، ويظهر أن ضعفه ليس يسيرا، لأني رأيته انفرد بإسنادين جليلين: أحدهما عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه، والآخر عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وهو علتهما (في المصدرين السابقين)، فضلا عن هذا الإسناد المعروف، فكأنه على قلة حديثه ينفرد عن المشاهير بالمناكير.
وأخشى أن يكون الراوي دخل عليه حديث أبي بكر بن عياش، عن سعد الإسكاف عن معروف بن خربوذ، عن أبي جعفر قال: "موت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا". رواه البيهقي في الشعب (4/ 344)، ورواه أبونعيم (3/ 183) من طريق أخرى إلى ابن عياش، عن الإسكاف، عن أبي جعفر، دون ذكر ابن خربوذ.
والحاصل أن هذا السند منكر شديد الضعف، وقال ابن القيم: إسناده فيه من لا يحتج به (مفتاح دار السعادة 69)، والله أعلم.
وثمة رواية أوردها الحارث بن أبي أسامة في مسنده (851 زوائده)، عن عمر أنه قال: "لَمَوتُ ألفِ عابد قائم الليل صائم النهار أهون من موت عاقل عقل عن الله أمره، فعلم ما أحل الله له وما حرم عليه، فانتفع بعلمه، وانتفع الناس به، وإن كان لا يزيد على الفرائض التي فرض الله عز وجل عليه كثير زيادة. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم".
قلت: هذا موضوع، وعلته شيخ الحارث: داود بن المحبر الكذاب، وقال ابن حجر في المطالب العالية (13/ 725) بعد أورده معه أحاديث مثله: هذه الأحاديث من كتاب العقل لداود بن المحبّر كلها موضوعة.
حديث علي بن أبي طالب:
وهو شاهد قاصر، ولفظه: "المتقون سادة، والفقهاء قادة، والجلوس إليهم زيادة، وعالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد".
عزاه في كنز العمال (5654) للخليلي، وساق سنده الرافعي في تاريخ قزوين (2/ 47 وفيه تحريف)، من طريق محمد بن إسماعيل بن [إبراهيم] بن موسى بن جعفر، ثنا عم أبي [الحسين] بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي مرفوعا.
وهذه نسخة لم أهتد لكلامٍ فيها لمتقدم، ولا أشك أنها موضوعة، ومن أنكر ما فيها رواية محمد بن إسماعيل عن عمه عن آبائه مرفوعا: "يا علي تعلم القرآن وعلّمه الناس، فإن متَّ حجَّت الملائكةُ إلى قبرك كما تحج الناس إلى البيت العتيق"! (مسند الفردوس 128/ب، كما في مسند علي لأوزبك 3/ 716 وانظر من من أحاديث النسخة فيه: 3/ 687 - 688 و712 و717 و718 وكلها مناكير لا يتابع عليها محمد).
وقال الألباني في الضعيفة (3273): هذا إسناد ضعيف مظلم، ومتن منكر موضوع، من دون موسى بن جعفر بن محمد لم أعرفهم. وقال نحوه في (8/ 312).
أما الشطر الأخير من الحديث -وهو محل الشاهد- فقد عزاه في تسديد القوس (بحاشية الفردوس 3/ 69 الزمرلي) وفي كنز العمال (28723) للديلمي عن علي.
وساق طرف إسناده الألباني في الضعيفة (3850): عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعا.
وقال المناوي في فيض القدير (4/ 299): فيه عمرو بن جميع، قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن عدي: متهم بالوضع.
وحكم بوضعه أحمد الغماري في المداوي (4/ 436)، والألباني في ضعيف الجامع (3673) وفي الضعيفة (3850)، ونحوه (3273).
قول أبي جعفر محمد بن علي:
جاء في نسخة من الحلية لأبي نعيم (3/ 183): من طريق مندل وحبان ابني علي، عن سعد بن طريف الإسكاف، عن أبي جعفر.
مندل وأخوه ضعيفان، والإسكاف رافضي كذاب، وقد مرّ قريباً أنه رُوي عن أبي جعفر من وجهين آخرين موضوعين، كما تقدم من وجه ثالث ضمن الكلام على حديث عمر بن الخطاب.
وهذا الأثر ضعفه الألباني في الضعيفة (8/ 312).
فخلاصة القول أن الحديث شديد الضعف من جميع طرقه المرفوعة، ولا يتقوى بطرقه، وأن أمثل ما جاء فيه عن ابن عباس بسند ضعيف موقوفاً، والله أعلم.
وقال أبوبكر ابن العربي في سراج المريدين (الاسم التاسع والعشرين منه، كما في المداوي 4/ 571): لا يصح في فضل العالم على العابد حديثٌ أصلا.
والله تعالى أعلم.
كتبه محمد زياد التكلة، حامداً مصليًّا مسلّما.
http://www.alalukah.com/showthread.php?p=417&posted=1#post417
ـ[أبو رحمة السلفي]ــــــــ[01 - 12 - 06, 03:39 م]ـ
بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك يوم القيامة.
ـ[ابن وهب]ــــــــ[01 - 12 - 06, 03:54 م]ـ
جزاكم الله خيرا ونفع بكم
تنبيه
(وعزاه في الكنز (28768) لابن حبان
)
الصواب (عد)
وقد وقع في الكنز (حب) وهو تصحيف لا أدري هل هو من الطباعة أم من غيره
والصواب
عد
وعد كما هو معروف = ابن عدي
والحديث عند ابن عدي كما بينتم
(الطريق الثالثة:
ورواه ابن عدي (1/ 378))
والله أعلم
ـ[محمد زياد التكلة]ــــــــ[01 - 12 - 06, 05:10 م]ـ
الأخ: أبا رحمة السلفي:
جزاك الله خيراً.
الأخ (ابن وهب):
جزاك الله خيراً، وقد كان في نفسي شيء من عزوه لابن حبان، وقلت في نفسي لعله أحد تحريفات كنز العمال الكثيرة في مطبوعته، ولكن ما اهتديت إلى يقين فيه قبل دلالتك.
وما هي بأولى فوائدك أخي المكرم.
¥