أقول: إن عدول الإمام عن ذلك ما هو إلا للتنبيه على أنه لا يصح حديث في الباب، حتى إنه ربما اكتفى في الترجمة بلفظ حديث مشتهر، ومع ذلك لا يورده، وما هذا إلا للدلالة على ضعفه، أو وجود علة به تمنع من العمل به؛ يقول الحافظ ابن حجر: (هدي الساري ص / 14) " وربما اكتفى أحيانًا بلفظ الترجمة التي هي لفظ حديث، لم يصح على شرطه، وأورد معها أثرًا، أو آية، فكأنه يقول: لم يصح في الباب شيءٌ على شرطي ".
6 - ثم إنك أخي الفاضل إن أردت أن عدد الصحيح الموجود كثيرٌ ففي أي الكتب تقصد، فإن كنت تقصد بقية الأصول الخمسة - أقول: هي خمسة كما عدها كثيرٌ من الأئمة في كلامهم، وأما السادس فقد اختلفوا فيه، فعده البعض ابن ماجه، وعده البعض سنن الدارمي، وعمومًا فإن المتأخرين استقروا على جعل ابن ماجه السادس، وإن كان أقلهم شرطًا - عودًا على بدء: فإن كنت تقصد بقية الأصول: وأبو داود، والترمذي، والنسائي فإن مرادك لا يتم حيث صرح أصحاب هذه الكتب بأنهم ربما أدخلوا الضعيف، بل وشديد الضعف - كما يشهد الواقع - وما صفا لهم فإن معظم متونه مخرجة في الصحيحين، تعال بنا نرى نبذة في شروطهم - وليس المجال بيان منهاجهم، أو حصر شروطهم، وإنما ذلك بحث آخر يسر الله تعالى إخراجه - وإنما المقصود بيان أنهم يوردون الصحيح وغيره -:
أ- قال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة - في وصف سننه - (ص / 33 - طبعة أبي غدة): " وإذا كان فيه حديثٌ منكرٌ بينتُ أنه منكرٌ، وليس على نحوه في الباب غيره ".
وقال أيضًا: " وما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، ومنه ما لايصح سنده ".
ب- وأما الإمام الترمذي فقد صرح في مواضع عديدة من كتابه بضعف ما أورده في ذلك الموضع، وربما أشار إلى علته أيضًا، قال ابن رجب
(شرح علل الترمذي 1/ 397): " نعم! قد يخرج عن سيىء الحفظ، وعمن غلب على حديثه الوهم، ويبين ذلك غالبًا، ولا يسكت عنه ".
ج- وأما شرط الإمام النسائي فقد صرح به كما نقله عنه - راوي السنن عنه - محمد بن معاوية الأحمر (كما في زهر الربى للسيوطي 1/ 5): " كتاب السنن - أي: الكبرى - كله صحيح، وبعضه معلول، إلا يبين علته، والمنتخب المسمى بالمجتبى: صحيح كله ".
إلا إن هذا الشرط لا يصفو له؛ لأن السنن فيها أحاديث معلولة، بل منها ما قد بين علته بنفسه، وذلك بإخراجه ما يضادها من الصحيح، فيكون مجرد إيراده لهذه الأحاديث لبيان علتها ومخالفتها للصحيح، لا للاحتجاج، وهو بابٌ قلما يتنبه له مطالع السنن الصغرى.
7 - ثم إن كنت تقصد ما خرج عن هذه الأصول فابن ماجة به الكثير من الضعيف، بل وبه الموضوع كالحديث الذي رواه في فضائل قزوين.
8 - وأما معاجم الطبراني الثلاثة، ومستدرك الحاكم فيكفيك فيهم قول الحافظ ابن كثير إنهم مجمع الغرائب والمناكير.
9 - ثم هل يتخيل أن حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - به معنى جديد - يجاوز القرون الثلاثة الأولى، ولا تعرفه الأمة إلا على يد مصنف في القرن الرابع، أو الخامس الهجري، فأين كان المصنفون منه يا سبحان الله!!!
على كل هذه عجالة سريعة، ولعل الله تعالى ييسر بإفراد الموضوع أكثر من هذا، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وبارك وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.
ـ[الفقير إلى عفو ربه]ــــــــ[05 - 01 - 04, 11:03 ص]ـ
أخي الفاضل العدوي:
تقول:
" أضف إلى ذلك قول الإمام ابن حجر - المتقدم ذكره في كلام إخواننا - عن ابن عبد البر قوله «أن البخاري ومسلماً إذا اجتمعا على ترك إخراج أصلٍ من الأصول، فإنه لا يكون له طريقٌ صحيحةٌ. وإن وجِدَت، فهي معلولة». "
أقول تأمل:
هل اشترط البخاري ومسلم ذلك؟
بل إن كثيرا من الأصول في الأحكام مثلا صحت عند أبي داود وليس لها أصل لا في البخاري ولا في مسلم!!
والإشكال فقط في نقل تعميم ابن عبدالبر رحمه الله ..
وهذا الكلام نص عليه في مواضع المعلمي رحمه الله سواء في التنكيل له أو في الأنوار الكاشفة أو في غيرها
ثم تقول أخي:
" ثم إن هناك نكتة لطيفة في تراجم الإمام البخاري للأبواب ينبغي النظر إليها، وهي أنه ربما يورد ترجمة الباب ولا يورد تحتها حديثًا، فلماذا يلجأ لذلك لو وجد أحاديث صحاحًا في الباب، مع أنها قد تكون مخرجة عند غيره؟!!
¥