وقال الشيخ - رحمه الله - في الصحيحة، حديث (2536): " لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها ":
«أخرجه الإمام أحمد (4/ 22): حدثنا وكيع قال: حدثنا عكرمة بن عمار عن عبد الله بن زيد - أو بدر، أنا أشك - عن طلق بن علي الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن زيد أو بدر - شك عكرمة - فإن كان ابن زيد، فلم أعرفه، وإن كان ابن بدر - وهو الراجح - فهو ثقة بلا خلاف بينهم، وهوعبد الله بن بدر بن عميرة الحنفي اليمامي، روى عن جمع من الصحابة منهم طلق بن علي، وعنه جمع من أتباع التابعين، منهم عكرمة هذا، وأيوب بن عتبة وغيرهما.
وقد تابعه أيوب بن عتبة في روايته لهذا الحديث عنه، ولكنه خالفه في إسناده، فقال أحمد: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أيوب بن عتبة حدثنا عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
ساقه أحمد عقب الرواية السابقة، وكأنه فعل ذلك للإشارة إلى مخالفة أيوب لعكرمة، ولا شك أن مخالفته مردودة لأنه ضعيف لسوء حفظه، حتى قال ابن حبان: " كان يخطئ كثيرًا ويهم حتى فحش الخطأ منه "، فعكرمة خير منه، وإن تكلم فيه، ويكفيه أن مسلمًا احتج به.
لكن تابعه ملازم بن عمرو، فقال: حدثنا عبد الله بن بدر أن عبد الرحمن بن علي حدثه أن أباه علي بن شيبان حدثه: أنه خرج وافدًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر المسلمين! إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ". أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة (593) وابن حبان (500). وملازم هذا ثقة بلا خلاف يذكر، فروايته أرجح من رواية عكرمة بن عمار، لا سيما وقد قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يختاره على عكرمة بن عمار ويقول: هو أثبت حديثًا منه.
إلا أنه من الممكن أن يقال: يحتمل أن يكون لعبد الله بن بدر في الحديث إسنادان، أحدهما عن طلق بن علي، والآخر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه. فروى عكرمة عنه الأول، وملازم عنه الآخر. والله أعلم ... ».
إلى آخر كلام الشيخ - رحمه الله -، وقد قال في آخره: «وبالجملة، فالأصح في الحديث أنه من رواية عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه مرفوعًا بلفظ: " لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود "».
وعبد الله بن بدر لم يذكر بزيادة حفظ ليقبل منه تعدد الأسانيد، وقد نصَّ الأئمة على ترجيح ملازم على عكرمة - كما ذكر الشيخ -، خاصةً أن عبد الله بن بدر هذا هو جدُّ ملازم.
وقد اختُلف على عبد الله بن بدر في هذا الحديث كما يلي:
- رواه عكرمة بن عمار عنه عن طلق بن علي مرفوعًا،
- ورواه أيوب بن عتبة وملازم بن عمرو عنه عن عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه،
- ورواه عمر بن جابر عنه عن عبد الرحمن بن علي مرفوعًا، لم يذكر أباه، وهذه لم تقع للشيخ، وهي في التاريخ للبخاري (6/ 260)،
- ورواه يحيى بن أبي كثير - إن صح - عنه عن أبي هريرة مرفوعًا، ورواه عن يحيى عامر بن يساف، وهذه ذكرها الشيخ - رحمه الله -، إلا أنه جعل المخالِف للجماعة هو عامر.
والشيخ - رحمه الله - وإن رجح - بالجملة - رواية أيوب وملازم، فإنه قد ذكر احتمالاً بأن عبد الله بن بدر قد حفظ الوجهين رواية ملازم ورواية عكرمة، وهذا لا وجه له مع ترجيح الأئمة ملازمًا على عكرمة عمومًا، ومع اختصاص ملازم بابن بدر خصوصًا.
وقد نصَّ البخاري - رحمه الله - على ترجيح رواية ملازم على رواية عمر بن جابر، فقال - بعد أن أسند رواية ملازم، ثم عمر -: "والأول أصح"، فكأن رواية ملازم وأيوب بن عتبة عنده أقوى.
والله أعلم.
ـ[عبدالرحيم الجزائري]ــــــــ[22 - 01 - 07, 01:51 م]ـ
¥