تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن ذلك أيضًا قول ابن حجر: « ... الزهري صاحب حديث، فيكون الحديث عنده عن شيخين، ولا يلزم من ذلك اطراده في كل من اختلف عليه في شيخه إلا أن يكون مثل الزهري في كثرة الحديث والشيوخ».

وقال أبو حاتم: «كان أبو إسحاق واسع الحديث، يحتمل أن يكون سمع من أبي بصير، وسمع من ابن أبي بصير عن أبي بصير، وسمع من العيزار عن أبي بصير ... »، بينما ضعف أبو زرعة الوجه الأخير فقط عنه.

وقال أبو حاتم أيضًا: «وفي حديث قتادة مثل ذا كثير، يحدث بالحديث عن جماعة».

انتهى كلامه. والمثال الذي أشار إليه الشيخ هو حديث الفأرة في السمن، ذكره ابن رجب في ثنايا كلامٍ له نفيس ومهم، أنقله بطوله، قال في شرح العلل (2/ 838 - 840):

قاعدة: إذا روى الحفاظ الأثبات حديثاً بإسناد واحد وانفرد واحد منهم بإسناد آخر:

فإن كان المنفرد ثقة حافظاً، فحكمه قريب من زيادة الثقة في الأسانيد أو في المتون، وقد تقدم الكلام على ذلك.

وقد تردد الحفاظ كثيراً في مثل هذا، هل يرد قول من تفرد بذلك الإسناد لمخالفته الأكثرين له؟ أم يقبل قوله لثقته وحفظه؟

ويَقْوَى قبول قوله إن كان المروي عنه واسع الحديث يمكن أن يحمل الحديث من طرق عديدة، كالزهري، والثوري، وشعبة، والأعمش.

ومثال ذلك:

ما روى أصحاب الأعمش، مثل: وكيع، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وعبد الواحد بن زياد، وغيرهم، عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث المدينة فمر على نفر من اليهود فسألوه عن الروح ... الحديث.

وخالفهم ابن إدريس فرواه عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله، ولم يتابع عليه.

فصححت طائفةٌ الروايتين عن الأعمش، وخرجه مسلم من الوجهين.

وقال الدارقطني: «لعلهما محفوظان، وابن إدريس من الأثبات، ولم يتابع على هذا القول».

قلت: ومما يشهد لصحة ذلك أن ابن إدريس روى الحديث بالإسناد الأول أيضاً، وهذا مما يستدل به الأئمة كثيراً على صحة رواية من انفرد بالإسناد، إذا روى الحديث بالإسناد الذي رواه به الجماعة ... .

مثال آخر - والكلام لابن رجب -:

روى أصحاب الزهري عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الفأرة في السمن.

ورواه معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة.

فمن الحفاظ من صحح كلا القولين، ومنهم الإمام أحمد، ومحمد بن يحيى الذهلي، وغيرهما.

ومنهم من حكم بغلط معمر لانفراده بهذا الإسناد، منهم البخاري، والترمذي، وأبو حاتم، وغيرهم ... ويدل على صحة رواية معمر أنه رواه بالإسنادين كليهما.

انتهى كلام ابن رجب - رحمه الله -، وعبارته الأخيرة إحدى القرائن على قبول الوجهين عن الحافظ، وهي أنْ يصحَّ عن راوٍ واحدٍ رواية الوجهين عن الحافظ جميعًا.

ويمكن أن نعود إلى حديث المسيء صلاته للتمثيل على ذلك، ففي حدث أبي هريرة المخرج في الصحيحين اتفق أبو أسامة حماد بن أسامة وعبد الله بن نمير وأنس بن عياض وعيسى بن يونس وعبد الرحيم بن سليمان وعبد الأعلى بن عبد الأعلى وعبد الوهاب الثقفي ومحمد بن فليح ويحيى بن سعيد الأموي وعبد العزيز الدراوردي = على رواية الحديث عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مباشرة، وخالفهم يحيى بن سعيد القطان فرواه عن عبيد الله عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه عبد الله بن عمر العمري - أخو عبيد الله - عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - كرواية الجماعة عن عبيد الله -.

وهذا الاختلاف - كما هو ظاهر - قوي، فيحيى القطان حافظ جبلٌ في الحفظ، ولذا فقد صحح روايته البخاري ومسلم، فأخرجاها في صحيحيهما، ورجحها الترمذي، قال في السنن (2/ 103، 5/ 55): «وقد روى ابن نمير هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، ولم يذكر فيه: عن أبيه عن أبي هريرة، ورواية يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر أصح». إلا أن اتفاق الكثرة من الحفاظ الثقات على الوجه الآخر؛ ومتابعة عبد الله بن عمر أخاه عبيدَ الله على هذا الوجه = تثبت قوته ومتانته، فلا يمكن مع ذلك طرح روايتهم وتخطئتها، وإن كان القطان من كبار الحفاظ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير