ـــ،،، ـــ
وَأَوَّلُ مَنْ ذَكَرَهُ وَعَرَّفَ بِهِ وَمَثَّلَ لَهُ: أبُو عَبْدِ اللهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ، فَقَالَ فِي «مَعْرِفَةِ عُلُوم الْحَدِيثِ»:
«ذِكْرُ النَّوْعِ السَّادِسِ وَالأَرْبَعِينَ مِنْ مَعْرِفَةِ عُلُومِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الأَقْرَانِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهَذَا النَّوْعُ غَيْرُ رِوَايَةِ الأَكَابِرِ عَنِ الأَصَاغِرِ، فَقَدْ قَدَّمَنَا ذَلِكَ الْجِنْسَ، وَإِنَّمَا الْقَرِينَانِ إِذَا تَقَارَبَ سِنُّهُمَا وَإِسْنَادُهُمَا. وَهُوَ عَلَى ثَلاثَةِ أَجْنَاسٍ: فَالْجِنْسُ الأَوَّلُ مِنْهُ الَّذِي سَمَّاهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْمُدَبَّجُ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ قَرِينٌ عَنْ قَرِينِهِ، ثُمَّ يَرْوِيَ ذَلِكَ الْقَرِينُ عَنْهُ، فَهُوَ الْمُدَبَّجُ.
وَمِنَ الْبَيِّنِ أنَّ أبَا عَبْدِ اللهِ الْحَاكِمَ أَخَذَ هَذَا النَّوْعَ وَاسْمَهُ، بَلْ وَأَمْثِلَتَهُ مِنْ شَيْخٍ لَهُ، وَهُوَ الإِمَامُ الدَّارَقُطْنِيُّ، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ، وَصَنَّفَ فِيهِ كِتَابَاً حَافِلاً فِى مُجَلَّدٍ سَمَّاهُ «الْمُدَبَّجُ»، قَالَهُ الْحَافِظُ الزِّينُ العراقِيُّ.
وَسَائِرُ أَهْلَ الاصْطِلاحِ بَعْدَ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، إِنَّمَا يُؤْثِرُونَ هَذَا النَّوْعَ عَنْهُ بِاسْمِهِ وَرَسْمِهِ، وَلا تَخْتَلِفُ عِبَارَاتُهُمْ فِي أَكْثَرِ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا اقْتَصَرُوا عَلَى مَا أَوْرَدَهُ مِنْ أَمْثِلَةٍ مُبَيِّنَةٍ لَهُ.
فَمِنْهُمُ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو ابْنُ الصَّلاحِ، قَالَ فِي «مُقَدِّمَتِهِ»: «النَّوْعُ الثَّانِي وَالأَرْبَعُونَ: مَعْرِفَةُ رِوَايَةِ الأَقْرَانِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَهُمُ الْمُتَقَارِبُونَ فِي السِّنِّ وَالإِسْنَادِ، وَرُبَّمَا اكْتَفَى الْحَاكِمُ أبُو عَبْدِ اللهِ فِيهِ بِالتَّقَارُّبِ فِي الإِسْنَادِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ التَّقَارُّبُ فِي السِّنِّ. فَمِنْهُ الْمُدَبَّجُ، وَهُوَ أَنْ يَرْوِيَ الْقَرِينَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الآخَرِ. مِثَالُهُ فِي الصَّحَابَةِ عَائِشَةُ وَأبُو هُرَيْرَةَ، وَفِى التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَفِي أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مَالِكٌ وَالأَوْزَاعِيُّ، وَفِي أَتْبَاعِ التِّبَاعِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيُّ، يَرْوِى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَذْكُورِينَ عَنْ قَرِينِهِ.
ثُمَّ قَالَ: «وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي هَذَا أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَبْدَ الرَّزَّاقِ، وَرِوَايَةَ أَحَدِهِمَا عَنِ الآخَرِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَرْضِىٍّ».
وذكره بِنَحْوِ ذَا الْحَافِظُ الزِّينُ الْعِرَاقِيُّ فِي «شَرْحِ التَّبْصِرَةِ وَالتَّذْكِرَةِ»، إِلاَّ أَنَّهُ مَثَّل فِى التَّابِعِينَ بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وأَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ كُلٍّ عَنِ الآخَرِ، ثُمَّ نَظَمَهُ فِي الأَلْفِيَّةِ:
وَالْقُرَنَا مَنِ اسْتَوَوْا فِي السَّنَدِ ... وَالسِّنِّ غَالِبَاً وقِسْمَينِ اعْدُدِ
مُدَبَّجَاً وَهْوَ إِذَا كُلٌّ أخَذْ ... عَنْ آخَرٍ وَغَيْرَهُ انْفِرَادُ فَذْ
وَنَظَمَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ، وَزَادَ ذِكْرَ أَمْثِلَةٍ لَهُ:
فَإِنْ رَوَى كُلٌّ مِنَ الْقِرْنَيْنِ عَنْ ... صَاحِبِهِ فَهْوَ مُدَبَّجٌ حَسَنْ
فَمِنْهُ فِي الصَّحْبِ رَوَى الصِّدِّيقُ ... عَنْ عُمَرٍ ثُمَّ رَوَى الفَارُوقُ
وَفِي التِّبَاعِ عَنْ عَطَاءِ الزُّهْرِيْ ... وَعَكْسُهُ وَمِنْهُ بَعْدُ فَاْدْرِ
فَتَارَةً رَاوِيهِمَا مُتَّحِدُ ... وَالشَّيْخُ أَوْ أَحْدُهُمَا يَتَّحِدُ
ثُمَّ زَادَ قَسِيمَاً لَهُ اسْمَّاهُ الْمُدَبَّجَ الْمَقْلُوبَ، فقال:
وَمِنْهُ فِي الْمُدَبَّجِ الْمَقْلُوبُ ... مُسْتَوِيَاً مِثَالُهُ عَجِيبُ
مَالِكُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكْ ... وَذَا عَنْ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَالِكْ سُلِكْ
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيْقُونِيَّةِ:
وَمَا رَوَى كُلُّ قَرِينٍ عَنْ أَخِهْ ... مُدَبَّجٌ فَاعْرِفْهُ حَقَّاً وَانْتَخِهْ
ــــ،،، ــــ
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[16 - 01 - 07, 07:53 ص]ـ
¥