أخرجه أحمد (6/ 52) عن يحيى و هو ابن سعيد , و (6/ 97) عن شعبة , و أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5/ 78 / 1) عن عبدة , و ابن حبان في " صحيحه " (1831 - موارد) عن وكيع و علي بن مسهر و ابن عدي في " الكامل " (ق 223/ 2) عن ابن فضيل , و الحاكم (3/ 120) عن يعلى بن عبيد , كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن # عائشة # لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب , فقالت: " ما أظنني إلا راجعة , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (فذكره). فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله عز و جل أن يصلح بك بين الناس ".
هذا لفظ شعبة. و مثله لفظ يعلى بن عبيد. و لفظ يحيى قال: " لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب , قالت: أي ماء هذا ? قالوا: ماء الحوأب , قالت: ما أظنني إلا أني راجعة , فقال بعض من كان معها , بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم , قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح ... ".
قلت: و إسناده صحيح جدا , رجاله ثقات أثبات من رجال الستة: الشيخين و الأربعة رواه السبعة من الثقات عن إسماعيل بن أبي خالد و هو ثقة ثبت كما في " التقريب ". و قيس بن أبي حازم مثله , إلا أنه قد ذكر بعضهم فيه كلاما يفيد ظاهره أنه مجروح , فقال الذهبي في " الميزان ": " ثقة حجة كاد أن يكون صحابيا , وثقه ابن معين و الناس.
و قال علي ابن عبد الله عن يحيى بن سعيد منكر الحديث , ثم سمى له أحاديث استنكرها , فلم يصنع شيئا , بل هي ثابتة , لا ينكر له التفرد في سعة ما روى , من ذلك حديث كلاب الحوأب , و قال يعقوب السدوسي: تكلم فيه أصحابنا , فمنهم من حمل عليه , و قال: له مناكير , و الذين أطروه عدوها غرائب , و قيل: كان يحمل على علي رضي الله عنه. إلى أن قال يعقوب: و المشهور أنه كان يقدم عثمان , و منهم من جعل الحديث عنه من أصح الأسانيد. و قال إسماعيل بن أبي خالد: كان ثبتا , قال: و قد كبر حتى جاوز المائة و خرف.
قلت: أجمعوا على الإحتجاج به , و من تكلم فيه فقد آذى نفسه , نسأل الله العافية و ترك الهوى , فقد قال معاوية بن صالح عن ابن معين: كان قيس أوثق من الزهري ".
قلت: و قد تأول الحافظ في " التهذيب " قول يحيى بن سعيد و هو القطان: " منكر الحديث " بأن مراده الفرد المطلق.
قلت: فإن صح هذا التأويل فيه , و إلا فهو مردود لأنه جرح غير مفسر , لاسيما و هو معارض لإطباق الجميع على توثيقه و الإحتجاج به , و في مقدمتهم صاحبه إسماعيل بن أبي خالد , فقد وصفه بأنه ثبت كما تقدم و لا يضره وصفه إياه بأنه خرف , لأن الظاهر أنه لم يحدث في هذه الحالة , و لذلك احتجوا به مطلقا , و لئن كان حدث فيها , فإسماعيل أعرف الناس به , فلا يروي عنه و الحالة هذه , و على هذا فالحديث من أصح الأحاديث , و لذلك تتابع الأئمة على تصحيحه قديما و حديثا.
الأول: ابن حبان فقد أخرجه في صحيحه كما سبق.
الثاني: الحاكم بإخراجه إياه في " المستدرك " كما تقدم و لم يقع في المطبوع منه التصريح بالتصحيح منه , و لا من الذهبي , فالظاهر أنه سقط من الطابع أو الناسخ , فقد نقل الحافظ في " الفتح " (13/ 45) عن الحاكم أنه صححه , و هو اللائق به لوضوح صحته.
الثالث: الذهبي فقد قال في ترجمة السيدة عائشة من كتابه العظيم " سير النبلاء " (ص 60 بتعليق الأستاذ الأفغاني): " هذا حديث صحيح الإسناد , و لم يخرجوه ".
الرابع: الحافظ ابن كثير , فقال في " البداية " بعد أن عزاه كالذهبي لأحمد في " المسند ": " و هذا إسناد على شرط الشيخين , و لم يخرجوه ".
الخامس: الحافظ ابن حجر فقد قال في " الفتح " بعد أن عزاه لأحمد و أبي يعلى و البزار: " و صححه ابن حبان و الحاكم , و سنده على شرط الصحيح ".
فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث صرحوا بصحة هذا الحديث , و ذلك ما يدل عليه النقد العلمي الحديثي كما سبق تحقيقه , و لا أعلم أحدا خالفهم ممن يعتد بعلمهم و معرفتهم في هذا الميدان سوى يحيى بن سعيد القطان في كلمته المتقدمة , و قد عرفت جواب الحافظين الذهبي و العسقلاني عليه , فلا نعيده.
¥