الأولى: يظن الأستاذ الصديق أن إهمال أصحاب (الصحاح) لحديث ما إنما هو لعلة فيه. و هذا خطأ بين عند كل من قرأ شيئا من علم المصطلح , و تراجم أصحاب (الصحاح) , فإنهم لم يتعمدوا جمع كل ما صح عندهم , في " صحاحهم " , و الإمام مسلم منهم قد صرح بذلك في " صحيحه " , (كتاب الصلاة) , و ما أكثر الأحاديث التي ينص الإمام البخاري على صحتها أو حسنها مما يذكره الترمذي عنه في " سننه " و هو لم يخرجها في " صحيحه ".
الثانية: هذا إن كان يعني بـ (الصحاح) الكتب الستة , لكن هذا الإطلاق غير صحيح , لأن السنن الأربعة من الكتب الستة ليست من (الصحاح) لا استصطلاحا ,
و لا واقعا , فإن فيها أحاديث كثيرة ضعيفة و الترمذي ينبه على ضعفها في غالب الأحيان.
و إن كان يعني ما هو أعم من ذلك فليس بصحيح , فقد عرفت من تخريجنا المتقدم أن ابن حبان أخرجه في " صحيحه " , و الحاكم في " المستدرك على الصحيحين ".
الثالثة: وثوقه بما جاء في " معجم البلدان " بدون إسناد , و مؤلفه ليس من أهل العلم بالحديث , و عدم وثوقه بمسند الإمام أحمد , و قد ساق الحديث بالسند الصحيح , و لا بتصحيح الحافظ النقاد الذهبي له!!
الرابعة: جزمه أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك ... بدون حجة و لا برهان سوى الثقة العمياء بمؤلف " المعجم " , و قد أشرنا إلى حاله في هذا الميدان , و بمثل هذه الثقة لا يجوز أن يقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمى بنت مالك كذا و كذا!!
الخامسة: إن الخبر الذي ذكره و وثق به لا يصح من قبل إسناده بل واه جدا , فقد قال الأستاذ الخطيب بعد الذي نقلناه عنه آنفا من الكلام على هذا الحديث. " و لو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر خبرا آخر نقله ياقوت في " معجم البلدان " (مادة حوأب) عن سيف بن عمر التميمي أن المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى ... و هذا الخبر ضعيف , و الخبر الذي أوردوه عن عائشة أو هى منه ".
كذا قال! (خلطوا عملا صالحا و آخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم).
السادسة: قوله: " إرضاء لبعض الأهواء ". و كأنه يشير بذلك إلى الشيعة الذين يبغضون السيدة عائشة رضي الله عنها و يفسقونها إن لم يكفروها بسبب خروجها يوم الجمل , و لكن من هم الذين أشار إليهم بقوله " بعض الناس " , ? أهو الإمام أحمد الذي وقف الأستاذ على إسناده للحديث ? أم الذهبي الذي صححه أم هو يحيى بن سعيد القطان شيخ الإمام أحمد و هو من الثقات الأثبات , لاسيما و قد تابعه ستة آخرون من الثقات كما تقدم ?
أم إسماعيل بن أبي خالد و هو مثله كما عرفت , أم شيخه قيس بن أبي حازم و هو مثله في الثقة و الضبط , غير أنه قيل: إنه كان يحمل على علي رضي الله عنه.
فهو إذن من شيعة عائشة رضي الله عنها , فلا يعقل أن يروي عنها ما لا أصل له مما فيه ارضاء لمن أشار إليهم الأستاذ! و للحديث شاهد يزداد به قوة , و هو من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: " ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب , يقتل عن يمينها و عن يسارها قتلى كثير , ثم تنجو بعد ما كادت ".
رواه البزار و رجاله " ثقات ".
كذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7/ 234) و الحافظ في " فتح البارى " (13/ 45). لكن أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2/ 426) من طريق الأشج عن عقبة بن خالد عن ابن قدامة - يعني عصام! - عن عكرمة عن ابن عباس به.
و قال: " قال أبي: لم يرو هذا الحديث غير عصام , و هو حديث منكر لا يروى من طريق غيره ".
قلت: عصام هذا قال ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " (3/ 2 / 25) عن أبيه " كوفي لا بأس به ". و كذا قال أبو زرعة و أبو داود. و قال ابن معين " صالح ". و قال النسائي: " ثقة ". و ذكره ابن حبان في " الثقات ".
قلت: و لم يضعفه أحد , فمثله حجة , و سائر الرواة ثقات أيضا , و ذلك ما صرح به الهيثمي و الحافظ فالسند صحيح , فلا وجه عندي لقول أبي حاتم " حديث منكر " , إلا إن كان يعني به أنه حديث غريب فرد , و يؤيده قوله عقبه: " لا يروى من طريق غيره ". فإن كان أراد هذا فلا إشكال , و إن أراد التضعيف فلا وجه له , لاسيما و هو موافق لحديث عائشة الصحيح , فأين النكارة ?!
¥