كلاهما (عيسى بن سوادة، وسفيان) عن إسماعيل بن أبي خالد، عن زاذان، قال: مرض ابن عباس مرضة ثقل فيها، فجمع إليه بنيه وأهله، فقال لهم: يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من حج من مكة ماشياً، كتب الله له بكل خطوة سبعمائة حسنة من حسنات الحرم " فقال بعضهم: وما حسنات الحرم؟ قال:" كل حسنة بمائة ألف حسنة". وفي بعض رواياته:" مائة ألف ألف حسنة " وفي بعضها " بألف حسنة ".
وذكر أبو حاتم في العلل (826) أن محمد بن مسلم، عن سعيد بن جبير مرسل. يعني أن بينهما راوياً آخر، فلم يسمع محمد بن مسلم من سعيد بن جبير، وذكر أن هذا حديث يروى عن ابن سيسن، وهو رجل مجهول، وذكر أنه حديث غير صحيح.
فهذه ثلاثة أمور ذكرها أبو حاتم في هذا الحديث:
فأما الأمر الأول، وهو أن محمد بن مسلم عن سعيد بن جبير مرسل، فهو أمر ظاهر، كما في التخريج، إذ جميع الروايات السابقة عن محمد بن مسلم ذكر فيها واسطة بينه، وبين سعيد بن جبير، لكنهم اختلفوا في تعيين الواسطة، وفي بعضها أبهم اسم الواسطة.
ومما يزيد هذا وضوحاً أن محمد بن مسلم لم يدرك سعيد بن جبير، فإن سعيداً قتل سنة 94 أو 95، وقد مات محمد بن مسلم سنة 177 - فيما قيل - فلأجل أن يسمع من سعيد فلا بد أن يكون عاش ما يزيد على تسعين سنة، وهذا لم يذكر في ترجمته. ثم إنه لم يذكر له رواية عن سعيد بن جبير، وهذا أمر بيِّن.
أما الأمر الثاني، وهو أن هذا الحديث يروى عن ابن سيسن، فيحتمل أن أبا حاتم يريد أن هذا الرجل هو الواسطة بين محمد بن مسلم، وسعيد بن جبير، ولكن لم أقف على ذكره في شيء من الروايات عن محمد بن مسلم، مع الاختلاف في تسمية الواسطة، غير الذي ذكره أبو حاتم.
ويحتمل أن يكون أبو حاتم يريد أن هذا الحديث يعرف عن هذا الرجل، وقد يكون بغير هذا الإسناد، وهذا - أيضاً - لم أقف عليه، فالله أعلم.
أما الأمر الثالث، فهو أن هذا الحديث غير صحيح، وهذا يتضح جلياً من خلال النظر في جميع طرقه، فإن أهم طرق هذا الحديث يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وقد اتضح من التخريج أنه قد اختلف فيه على يحيى بن سليم في تعيين الواسطة بين محمد بن مسلم، وسعيد بن جبير، على خمسة أوجه، وهي:
الوجه الأول: عن يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. دون ذكر واسطة.
الوجه الثاني: عن يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم، عن إبراهيم بن ميسرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذه رواية أحمد بن ميسرة، وعبد الله بن محمد القدامي، وسهل بن عثمان.
الوجه الثالث: عن يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذه رواية أحمد بن أبان، وأحمد بن القاسم.
الوجه الرابع: عن يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وهذه رواية إبراهيم بن زياد سبلان، وقد تابع يحيى بن سليم على هذا الوجه حجاج بن نصير.
الوجه الخامس: عن يحيى بن سليم، عن محمد بن مسلم، عمن حدثه، عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس، وهذه رواية عبد الجبار بن العلاء، وإبراهيم بن أبي يوسف، ومجاهد بن موسى.
فهذه خمسة أوجه في الاختلاف على يحيى بن سليم في هذا الحديث، تدل على الاضطراب، سواء كان ذلك من يحيى بن سليم، أو من شيخه محمد بن مسلم، ولا يتمسك بمتابعة حجاج بن نصير ليحيى بن سليم على الوجه الرابع، فإنها لا تغني شيئاً لحال الحجاج، فإنه ضعيف، كان يقبل التلقين، (التقريب 1139)، فلا تنفع متابعته شيئاً. فإذا أضيف إلى هذا الاضطراب في هذا الإسناد، ما سبق ذكره من الكلام في يحيى بن سليم، ومحمد بن مسلم، خاصة ما ذكره أحمد أنه رأى يحيى بن سليم يخلط في الأحاديث. وكذا تضعيفه لمحمد بن مسلم على كل حال، وما ذكره غيره من أنه يخطئ من حفظه، فهذا كله يدل على شدة ضعف هذا الطريق، وهذا يغني عن نقد أسانيد حديث محمد بن مسلم هذا مفردة، وإلا فقد نُقد بعضها من غير هذا الوجه، كما فعل ابن عدي، وابن الجوزي، والهيثمي وغيرهم.
¥