وقد طوَّل الدارقطني الكلام في أصل هذا الحديث عن نافع، والذي تبين من كلامه ومن النظر في أصل هذا الحديث، أن حديث أيوب هذا لا يصح فيه ذكر ابن عمر، وإنما الذي يصح فيه ذكر ابن عمر حديث عيسى بن حفص بن عاصم، وعبيد الله بن عمر العمري وغيرهما عن نافع، عن ابن عمر، ولفظه:" من صبر على لأوائها كنت له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة ". وقد أخرجه مسلم 4/ 119 ح1377، وأحمد 2/ 155 ح6440 وغيرهما من حديث عيسى بن حفص.
وأخرجه الترمذي 6/ 203 ح3918 وغيره من حديث عبيد الله بن عمر، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله.
وأخرجه مسلم 4/ 119 ح1377 وغيره من حديث يُحَنِّس مولى الزبير عن ابن عمر بنحوه.
فهذا هو الثابت عن ابن عمر في هذا الباب لا ما سواه من الألفاظ. وانظر الصارم المنكي ص68 - 77، فقد طول الكلام في هذا الحديث، إلا أنه ذهب إلى ثبوت حديث أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، وفيما قاله - رحمه الله - نظر لما سبق تقريره، ولعل السبب في ذلك أنه لم يكن أصل كلامه على حديث أيوب. وإنما تكلم عليه تبعاً، وكانت همته موجهة إلى بيان بطلان لفظ آخر في هذا الحديث. وهو في فضل زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو لفظ باطل - أيضاً -. والله أعلم.
ثانياً: حديث الصميتة (امرأة من بني ليث بن بكر كانت في حجر النبي صلى الله عليه وسلم)، ولفظه:" من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت، فإنه من مات بالمدينة كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة ".
- أخرجه النسائي في الكبرى 2/ 488 ح4285 من طريق القاسم بن مبرور، وابن حبان 9/ 58 ح3742 من طريق ابن وهب، والطبراني في الكبير 24/ 331 ح824، والبيهقي في شعب الإيمان 8/ 113 ح3885 من طريق الليث بن سعد، والطبراني في الكبير 24/ 331 ح824 من طريق عنبسة بن خالد، أربعتهم (القاسم، وابن وهب، والليث، وعنبسة) عن يونس بن يزيد.
وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 6/ 154 ح3382 من طريق عبد الله بن صالح، عن الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد.
والطبراني في الكبير 24/ 331 ح823، وابن جميع الصيداوي في معجمه ص353، وأبو نعيم في معرفة الصحابة 6/ 3381 - 3382 ح7729، والبيهقي في شعب الإيمان 8/ 12 ح3884 من طريق صالح بن أبي الأخضر.
والطبراني في الكبير 24/ 332 ح825 من طريق ابن أبي فديك، وفي الكبير - أيضاً - 24/ 332 ح826 من طريق عيسى بن يونس، كلاهما (ابن أبي فديك، وعيسى) عن ابن أبي ذئب.
أربعتهم (يونس بن يزيد، وعقيل، وصالح بن أبي الأخضر، وابن أبي ذئب) عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن الصميتة به، وفي بعض ألفاظه قال عبيد الله: سمعتها تحدث صفية بنت أبي عبيد أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث يعني أن الصميتة حدثت بذلك صفية. وقد جعله في رواية الليث، عن يونس - عند البيهقي فقط -: عن الصميتة، عن صفية. وجعله في رواية عيسى بن يونس عن ابن أبي ذئب: عن عبيد الله، عن صفية، عن الدارية امرأة من بني عبد الدار كانت في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقد أطلق في بعض الروايات عبيد الله بن عبد الله دون ذكر جده، وفي بعضها قال: عبيد الله بن عبد الله بن عمر، وقال في بعضها: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
والمحفوظ في هذا الحديث جعله: عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن الصميتة، كما ذكر ذلك ابن أبي عاصم وغيره، وما سواه فليس بمحفوظ، فأما جعله: عن الصميتة، عن صفية فهو غلط من شيخ البيهقي كما نص عليه، فإنه قال: لم يضبط شيخنا إسناده كما ينبغي فقال: عن صفية بنت أبي عبيد وهو خطأ. وكذلك من جعله عن صفية عن الدارية فإنه خطأ، ولعل السبب في ذلك أن عبيد الله سمع الصميتة وهي تحدث صفية. فمن هنا جاء الوهم في ذكر صفية في الإسناد، والصواب أنه لا مدخل لها في الإسناد.
وأما من جعله: عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، فلعل سبب وهمه شهرة عبيد الله وكثرة حديثه فهو جادة معهودة تسبق إليها الألسن، بخلاف عبيد الله بن عبد الله بن عمر، فهو قليل الحديث.
ومما يؤكد أن هذا الحديث لعبيد الله بن عبد الله بن عمر، أن الزهري قال - في رواية الليث، عن يونس عند البيهقي -: ثم لقيت عبد الله بن عبد الله فسألته عن حديثها فحدثنيه عن الصميتة. قال البيهقي: وعبيد الله، وعبد الله هما ابنا عبد الله بن عمر.
¥