تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعض النظر عن صحة هذه العبارة، القائلة إن: ابن الصلاح ضبط حدود المصطلحات وتعريفاتها بميزان الأصول، غلا أن هذا الميزان ـ في الحقيقة ـ هو الذي منه نفر (5)!! وإن كنت أوافق أن بعض ذلك قد وقع من ابن الصلاح، غلا أنه أقل ممن جاء بعده في ذلك!

لكن لما كان كتاب ابن الصلاح إماماً وقدوةً لمن بعده، وسن كتابه هذا المهج، وعمق أثر الأصول فيه، تدافع القوم على الاستنان بمنهجه، والاقتداء بطريقته!!

وأدلة ذلك تظهر من نواحي عدة:

من كثرة نقوله عن الأصوليين (6).

ومن دمجه لآراء المحدثين والفقهاء والأصوليين (7).

ومن نقله مع رأي المحدثين الرأي المخالف له للفقهاء والأصوليين، دون ترجيح، ومع وضعه لكلا الرأيين في ميزان واحد (8).

بل ربما مال إلى ترجيح رأي الأصوليين على رأي المحدثين!

كما فعل في صور المرسل المختلف فيها، حيث قال: ((إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي، فكان فيه رواية واوٍ لم يسمع من المذكور فوقه. فالذي قطع به الحاكم الحافظ أبو عبد الله وغيره من أهل الحديث أن ذلك لا يسمى مرسلاً ... والمعروف في الفقه واصوله أن كل ذلك يسمى مرسلاً، وإليه ذهب من أهل الحديث أبو بكر الخطيب وقطع به)) (1).

وقال أيضا في الموضوع نفسه: ((ا ذا قيل في ا لا سنا د: فلان عن رجل أو ن عن شيخ عن فلان، أو نحو ذلك: فالذي ذكر الحاكم في (معرفة علوم الحديث) انه لا يسمى مرسلا، بل منقطعا0 وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل)) (2).

تنبه الى تعبيره: ((والمعروف في الفقه وأصوله .. )) و ((وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه)).

وأنبه هنا أيضاً إلى أنه ليس من غرضي تأييد هذه المسائل الجزئية أو معارضتها (3)، إنما غرضي بيان أثر الأصول وعمق هذا الأثر على ابن الصلاح.

ثم تابع معي في هذه المسألة الآتية (مسألة تعارض الوصل والإرسال):

لما ذكر الخطيب البغدادي الاختلاف في هذه المسألة، قال: ((ومنهم من قال: الحكم للمسند إذا كان ثابت العدالة ضابطاً للرواية، فيجب قبول خبره ويلزم العمل به، وإن خالفه غيره، وسواء كان المخالف له واحداً أو جماعةً)). ثم أيد الخطيب هذا القول، وصححه على غيره. ودلل عليه بتصرفات لبعض المحدثين، منهم الإمام البخاري (4).

ففهم ابن الصلاح من كلام الخطيب هذا، أنه يقول بأن وصل الثقة مقدم على إرسال غيره من الثقات مطلقاً. وسوف نعود إلى كلام ابن الصلاح، بعد تقرير مذهب الخطيب من هذه المسألة أولاً.

والذي أراه أن الخطيب لم ير ذلك الرأي الذي ظن ابن الصلاح أنه رأيه! فالخطيب قال بتقديم رواية المسند بشرطٍ لا يخالف فيه أحد، وهو (إذا كان (الراوي) ثابت العدالة ضابطاً للرواية)). فالذي يقدم قوله بالوصل عند الخطيب إذن، هو الراوي الذي ضبط روايته، ولا يضره بعد ضبطه لروايته من خالفه وكم خالفه!

فالخطيب لم يقدم الوصل على الإرسال مطلقاً، كيف وقد اشترط شرطاً واضحاً، كما سبق؟!

نعم .. هو لم يذكر الميزان الذي نعرف به ضبط الراوي لروايته، لكنه أشار إلى ملامحه في أمثلته التي ساقها بعد ذلك.

ويدل على ذلك أيضاً، هو أن الخطيب عارض ذلك الفهم الذي فهمه ابن الصلاح من كلامه، معارضة صارخةً، في كتابه (المزيد في متصل الأسانيد). حيث قسم كتابه هذا إلى قسمين:

الأول: ما حكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد، والثاني: ما حكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها (1). مما يدل دلالة صريحة أن الخطيب لا يقدم الوصل على الإرسل مطلقاً، كما فهم من كلامه.

بل وفي (الكفاية) للخطيب ما يدل على عدم صحة نسبة ذلك القول إليه، بتقديم الوصل على الإرسال مطلقاً. إذ بين الخطيب أسباب كتابة المحدثين للمراسيل من الأحاديث، فقال خلال ذلك: ((ومنهم من يكتبها على معنى المعرفة، ليعل المسندات بها. لأن في الرواة من يسند حديثاً يرسله غيره، ويكون الذي أرسله أحفظ وأضبط، فيجعل الحكم له)) (2).

وهذا كله كما ترى، واضح من القول، في بيان مذهب الخطيب من هذه المسألة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير