ثم لعثمان هذا مناكير عن ابن لهيعة، قال البرذعي (في سؤالاته أبا زرعة: 2/ 417): "رأيتُ بمصر نحوًا من مائة حديث عن عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار وعطاء عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، منها: "لا تُكرم أخاك بما يشق عليه". فقال - يعني: أبا زرعة الرازي -: (لم يكن عثمان عندي ممن يكذب، ولكن كان يكتب الحديث مع خالد بن نجيح، وكان خالد إذا سمعوا من الشيخ أملى عليهم ما لم يسمعوا، فبُلُوا به) ".
وكلا الاحتمالين قائم: أنه سمع من ابن لهيعة بعد الاحتراق، وأن خالد بن نجيح - وهو كذاب - أدخل هذا الحديثَ فيما أدخل.
هذا كلُّه على التسليم بأن حديث ابن لهيعة قبل احتراق كتبه مقبول، وإلا فالذي يترجح أن ابن لهيعة ضعيف مطلقًا، وله تخاليط وأغاليط.
وتفرده بهذا الإسناد الغريب مظنة الخطأ والنكارة.
ويُنظر في سماع أبي قبيل من عبد الله بن عمرو، فإن له روايات بواسطة عنه.
18 - ذكر (ص72) حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ونقل عن الألباني - رحمه الله - تضعيفه إياه بعلي بن زيد بن جدعان، إلا أنه قال: "فمثله صالح للاستشهاد"، لكن عليًّا هنا قد تفرد عن أبي عثمان النهدي، وبيّن المؤلف أن المتابعة التي ذكرها ابن كثير منكرة، ولا تفيد، فراويها زياد الجصاص منكر الحديث، ضعيف جدًّا، واقتصر الألباني - رحمه الله - على كون زياد هذا "ضعيفًا اتفاقًا"، والظاهر أنه شديد الضعف، وقد قال غير واحد من الأئمة: إنه متروك. بل ربما كان علي بن زيد بن جدعان أخذ هذا الحديث عن هذا المتروك، فهو به أولى.
والراوي عن زياد الجصاص (محمد بن عقبة الرفاعي) ليس بالمشهور - كما قال الألباني -، قال فيه أبو حاتم: شيخ.
وبالنظر إلى متن الحديث، تجد أنه - لو استُشهِدَ به - استُشهِدَ للفضل الوارد في حديث السوق، وهو الذي دعى ابن كثير إلى أن يقول: "وفي معنى هذا الحديث ... "، وأما تخصيص ذكرٍ أو دعاءٍ بدخول السوق، فليس في هذا الحديث ما يشهد له.
19 - ذكر المؤلف (ص74) موقوفَ ابن مسعود - رضي الله عنه -، وذكر أن سليم بن حنظلة روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان، وقال له ابن مسعود: أنت إمامنا.
فأما قوله "وثقه ابن حبان"؛ فصوابه: ذكره في الثقات، وبينهما فرق لا يخفى.
وقد قال المؤلف في كتابه هذا (ص41): "وأما توثيق ابن حبان؛ فلا يحتج به؛ لأنه يوثق المجاهيل، كما لا يخفى على طلاب العلم الجادين".
وأما قول ابن مسعود لسليم: أنت إمامنا، ففي إسناده اختلاف ذكره البخاري في التاريخ الكبير (4/ 124).
وعلى كلٍّ؛ فليس في حديث ابن مسعود - فيما يظهر - شهادة للحديث الأصلي، وهو ذكر دخول السوق والأجر المترتب عليه.
20 - ذكر المؤلف (ص75) مرسل أبي صالح ذكوان السمان، وكفانا بيان وهاء إسناده وسقوطه.
خلاصة:
1 - ورد الحديث من طريق سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه، عن جده، وجاءت الرواية عنه من طريق خمسة رواة:
أ- عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، وهو متروك الحديث.
ب- محمد بن واسع، ومتابعته هذه منكرة، تفرد بها أزهر بن سنان، وهو ضعيف جدًّا، منكر الحديث على قلّته.
ج- مهاصر بن حبيب، وهذه المتابعة منقطعة منكرة أيضًا.
د- عبيد الله بن عمر، وإسناد هذه المتابعة واهٍ بمرة - كما قال المؤلف -.
هـ - أبو عبد الله الفراء، وإسناد متابعته هذه ضعيف جدًّا - كما قال المؤلف أيضًا -.
2 - من شواهد الحديث التي عُضِّد بها: حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر، وقد جاء عن عبد الله من طريق راويين:
أ- عمران بن مسلم، ومتابعته هذه منكرة، تفرد بها يحيى بن سليم الطائفي، وروايته منكرة عن عمران.
ب- هشام بن حسان، ومتابعته هذه منكرة معلولة، سببها خطأ أخطأه مسروق بن المرزبان، وهو ضعيف.
وكلا هاتين الروايتين عائدٌ إلى الرواية الأصلية (رواية قهرمان آل الزبير).
ويأخذك العجب ممن يستشهد لحديثٍ بالحديث نفسِهِ!
3 - من شواهد الحديث: حديث عبد الله بن عباس، وقد بيّن المؤلف سقوطه وشدة ضعفه.
4 - في الباب أحاديث لا يقوم منها ما يشهد لحديث ابن عمر (حديث السوق):
أ- حديث بريدة، منكر، تفرد به محمد بن أبان، وهو ضعيف.
ب- حديث علي، موضوع.
ج- حديث عبد الله بن عمرو، منكر، تفرد به ابن لهيعة، وعنه عثمان بن صالح، وفي رواية عثمان عن ابن لهيعة مناكير.
د- حديث أبي هريرة، منكر، تفرد به علي بن زيد بن جدعان، وجاءت متابعة له لا تفيده.
هـ- موقوف ابن مسعود، في بعض رواته جهالة، وليس في متنه شهادةٌ لحديث ابن عمر.
و- مرسل أبي صالح السمان، منكر.
فهذه طرقُ الحديث، وهذه شواهدُهُ، فأنى له الصحة!
ولا يمكن أن تُقوَّى هذه الروايات ببعضها ألبتة إلا على التساهل في تقوية المناكير ببعضها، ولا يصح هذا، وليس من منهج أئمة الحديث المتقدمين، وهؤلاء أعمدة علم الحديث وواضعوه، ومنهم يُستقى ويُستفاد، ولا يُرَدُّ بتنظيراتِ غيرِهم أو تطبيقاتهم على تنظيراتهم وتطبيقاتهم.
وقد كثرت رواياتُ هذا الحديث، ووقف عليها الأئمة المتقدمون، ومع ذلك تجد الإمام يعقوب بن شيبة يقول: "هو حديث ليس بصحيح الإسناد، ولا له مخرج يرضاه أهل العلم بالحديث".
وهذا يدلّ على أن الرضا ببعض تلك المخارج، وتقوية الحديث بها= ليس من سبيل أهل العلم بالحديث.
هذا، والله أعلم،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ملحوظة:
استفدتُ - ويُستفاد - من هذه الموضوعات:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=538
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=3331
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=8361
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=75269
¥