و اعلم أن هذا الحديث مما سود به أحد مشايخ الشمال في سوريا كتابه الذي أسماه بغير حق " تعاليم الإسلام " فإنه كتاب محشو بالمسائل الغريبة و الآراء الباطلة التي لا تصدر من عالم , و ليس هذا فقط , بل فيه كثير جدا من الأحاديث الواهية و الموضوعة , و حسبك دليلا على ذلك أنه جزم بنسبة هذا الحديث الباطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم و هو ثانى حديث من الأحاديث التي أوردها في " فضل العلم " من أول كتابه (ص 3) و غالبها ضعيفة , و فيها غير هذا من الموضوعات كحديث " خيار أمتي علماؤها , و خيار علمائها فقهاؤها " و هذا مع كونه حديثا باطلا كما سبق تحقيقه برقم (367) فقد أخطأ المؤلف أو من نقله عنه في روايته , فإن لفظه: " رحماؤها " بدل " فقهاؤها "!
و من الأحاديث الموضوعة فيه ما أورده في (ص 236) " صلاة بعمامة أفضل من خمس و عشرين ... و " إن الله و ملائكته يصلون على أصحاب العمائم يوم الجمعة " و قد تقدم الكلام عليهما برقم (127 و 159).
و منها حديث " المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحون " (ص 4 منه) و سيأتي بيان وضعه برقم (782) إن شاء الله تعالى.
و من غرائب هذا المؤلف أنه لا يعزو الأحاديث التي يذكرها إلى مصادرها من كتب الحديث المعروفة , و هذا مما لا يجوز في العلم , لأن أقل الرواية عزو الحديث إلى مصدره , و لقد استنكرت ذلك منه في أول الأمر , فلما رأيته يعزي أحيانا و يفترى في ذلك , هان علي ما كنت استنكرته من قبل! فانظر إليه مثلا في الصفحة (247) حيث يقول: روى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كتب هذا الدعاء و جعله بين صدر الميت و كفنه لم ينله عذاب القبر (!) و لم ير منكرا و لا نكيرا (!) و هو هذا ... " , ثم ذكر الدعاء.
فهذا الحديث لم يروه الترمذي و لا غيره من أصحاب الكتب الستة و لا الستين! إذ لا يعقل أن يروي مثل هذا الحديث الموضوع الظاهر البطلان إلا من لم يشم رائحة الحديث و لو مرة واحدة في عمره!
و في الصفحة التي قبل التي أشرنا إليها قوله: في " صحيح مسلم " قال صلى الله عليه وسلم: " من غسل ميتا و كتم عليه غفر الله له أربعين سيئة ".
فهذا ليس في " صحيح مسلم " و لا في شيء من الكتب , و إنما رواه الحاكم فقط و البيهقي بلفظ: " أربعين مرة ".
فهذا قل من جل مما في هذا الكتاب من الأحاديث الموضوعة و التخريجات التي لا أصل لها , و يعلم الله أنني عثرت عليها دون تقصد , و لو أنني قرأت الكتاب من أوله إلى آخره قاصدا بيان ما فيه من المنكرات لجاء كتابا أكبر من كتابه! و إلى الله المشتكى!
و أما ما فيه من المسائل الفقهية المستنكرة فكثيرة أيضا , و ليس هذا مجال القول في ذلك , و إنما أكتفي بمثالين فقط , قال (ص 36) في صدد بيان آداب الاغتسال: و أن يصلى ركعتين بعد خروجه سنة الخروج من الحمام!
و هذه السنة لا أصل لها البتة في شيء من كتب السنة حتى التي تروى الموضوعات!
و لا أعلم أحدا من الأئمة المجتهدين قال بها!
و قال (ص 252 - 253): لا بأس بالتهليل و التكبير و الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يعني جهرا
قدام الجنازة , لأنه صار شعارا للميت , و في تركه ازدراء به , و تعرض للتكلم فيه و في ورثته , و لو قيل بوجوبه لم يبعد!
و هذا مع كونه من البدع المحدثة التي لا أصل لها في السنة فلم يقل بها أحد من الأئمة أيضا , و إنى لأعجب أشد العجب من هؤلاء المتأخرين الذين يحرمون على طالب العلم أن يتبع الحديث الصحيح بحجة أن المذهب على خلافه , ثم يجتهدون هم فيها لا مجال للاجتهاد فيه لأنه خلاف السنة و خلاف ما قال الأئمة أيضا الذين يزعمون تقليدهم , وايم الله إني لأكاد أميل إلى الأخذ بقول من يقول من المتأخرين بسد باب الاجتهاد حين أرى مثل هذه الاجتهادات التي لا يدل عليها دليل شرعى و لا تقليد لإمام! فإن هؤلاء المقلدين إن اجتهدوا كان خطؤهم أكثر من إصابتهم ,
و إفسادهم أكثر من إصلاحهم , و الله المستعان.
¥