تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل لقد قيل لي مرة، عندما عرضت رأيي من هذه المسألة، وهوجم ـ بالطبع للدفاع عن (النزهة)، قيل لي: لا مشاحة في الاصطلاح، والحافظ حر فيما يقول ويصطلح ‍

فقلت جواباً عن هذا ـ ولا حاجة لهذا إلى جواب، بعد بيان خطر (فكرة تطوير المصطلحات) وخططها (1) ـ: لقد سمى الحافظ كتابه بـ (نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر)، ولم يقل: في (مصطلح) ‍‍‍

أما أدلة هذا الهجوم (عند من لا يعرفني مع الحافظ والنزهة)، والبيان والتوضيح للحق (عند من يعرفني معها)،

فالآتي:

حيث يبدأ عمق التأثر بعلم المنطق بالوضوح، من حيث النظر في ترتيب (النزهة)، الترتيب المغاير لكل الكتب السابقة في علوم الحديث. فالكتاب مبني في ترتيبه على أساس (التقسيم العقلي) (2). عند المناطقة، أو ما يشبه (السبر والتقسيم) (3) المعروف عند الأصوليين في مسالك العلة من باب القياس.

وليس في هذا الترتيب مؤاخذة على الحافظ، لكن ذلك يدل على تغلغل أثر (علم المنطق) وتعمق (الأصول) في فكر الحافظ ومنهجيته،، إلى درجة بناء الكتاب في ترتيبه على أساسها. ثم أول ما يبدأ به الكتاب: تقسيم الأخبار إلى (متواتر) و (آحاد)، وقد خطا الحافظ في هذا التقسيم خطوةً جديدة، دالةً على مزيد تأثره بأصول الفقه على ابن الصلاح. وقد سبق ذكر بعض ما يتعلق بذلك (4)، وقي أشياء لا أطيل بها ‍

وفي أثناء هذا التقسيم، وعند كلامه عن أقسام (الآحاد)، حصر الحافظ (العزيز) فيما لم يروه أقل من أثنين عن اثنين (5)، و (المشهور) فيما رواه ثلاثة فصاعداً، ما لم يبلغ حد التواتر (6).

مع أن الذي قرره أبو عبد الله ابن منده (ت 301هـ)، وهو من (أهل الاصطلاح)، وتابعه ابن الصلاح: أن (العزيز) ما رواه اثنان أو ثلاثة (7).

فما حجة الحافظ في ذلك الحصر؟ ‍‍ وفي مخالفة أهل الاصطلاح؟ ‍‍‍

وفي أثناء ذلك المبحث أيضاً، بل في آخره، تعرض الحافظ لمصطلحي (المرسل) و (المنقطع)، كما أنه تعرض لهذين المصطلحين في موضعهما من بيان أنواع السقط في الإسناد.

وخلاصة ما ذهب إليه هو أن:

(المرسل): ما سقط من آخره من بعد التابعي (1).

و (المنقطع): ما سقط من أثنائه واحد، أو أكثر بشرط عدم التوالي (2).

وقال: ((أكثر المحدثين على التغاير، لكنه عندإطلاق الاسم. وأما عند استعمل الفعل المشتق فيستعملون الإرسال فقط، فيقولون: أرسله فلان، سواء كان ذلك مرسلاً أو منقطعاً.

ومن ثم أطلق غير واحدٍ، ممن لم يلاحظ مواضع استعماله، على كثيرٍ من المحدثين أنهم لا يغايرون بين المرسل والمنقطع. وليس كذلك، لما حررناه)) (3).

فالحافظ ـ بدءاً ـ يعترف بأن المغايرة بين (المرسل) و (المنقطع)، ليس إجماعاً من المحدثين، وإنما ذلك ـ بزعمه ـ عند أكثر المحدثين. فربما قابلهم كثيرون لا يغايرون، أو قليلون ‍ إذن فحصره المصطلح في أحد معانيه عند بعضهم دون بعضٍ تحكم لا دليل ولا مسوغ له، والواجب علي فهم أن في الاصطلاح اختلافاً في مدلوله بين المحدثين، حتى يمكنني تنزيل كلامهم منزلته وفهمه على وجهه.

وأحسب أن الحافظ أراد بنقده (لمن لم يلاحظ مواضع الاستعمال) ـ كما قال ـ الخطيب البغدادي، حيث قال في (الكفاية): ((أما (المرسل): فهو ما انقطع إسناده، بأن يكون في رواته من لم يسمعه ممن فوقه: إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال:

ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم)) (4).

وكلام الخطيب هذا هو الصواب في تعريف (المرسل)، وهو من بديع كلام الخطيب في شرح مصطلح الحديث.

والتدلي على صوابه يكون بالرد على الحافظ ابن حجر!

فالحافظ يزعم أن المغايرة بين (المرسل) و (المنقطع) تظهر في الاسم، دون الفعل المسشتق، كما سبق نقل كلامه.

فأين الحافظ في زعمه هذا عن (المراسيل) لأبي داود؟!

وفيه من رواية التابعي عمن لم يدركه من الصحابة روايات عدة (5). فهي عند الحافظ من (المنقطع) دون (المرسل)، مع ذلك ذكرها أبو داود في (المراسيل)، و (المراسيل) اسم لا فعل!!

كلا .. لا (أين)! فالحافظ كان عالماً برأي أبي داود هذا (6)!! لكن يبدو أنه ألغاه من الاعتبار في شرح المصطلح، لأنه من الكثيرين الذي خالفوا الأكثرين!!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير