تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رضي الله عنه فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله! إن بصري قرية

بني فلان قد أسلموا و دخلوا في الإسلام، و كنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق

غدا و قد أصابتهم سنة و شدة و قحوط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله! أن

يخرجوا من الإسلام طمعا، كما دخلوا فيه طمعا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء

تعينهم به فعلت. فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه عليا رضي الله عنه فقال: يا

رسول الله! ما بقي منه شيء.

قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد! هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من

حائط بني فلان إلى أجل كذا و كذا؟ فقال:

" لا يا يهودي! و لكني أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا و كذا، و لا تسمي حائط

بني فلان ".

قلت: بلى فبايعني. فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم

إلى أجل كذا و كذا. فأعطاها الرجل فقال: " اغد عليهم فأعنهم بها ".

فقال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة أتيته، فأخذت

بمجامع قميصه و ردائه و نظرت إليه بوجه غليظ فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي

؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل، و لقد كان لي بمخالطتكم علم، و نظرت

إلى عمر و إذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال:

يا عدو الله! أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ و تصنع به ما أرى

؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك! و رسول الله

صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون و تؤدة ثم قال: فذكره.

قال زيد: فذهب بي عمر رضي الله عنه فأعطاني حقي و زادني عشرين صاعا من تمر.

فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن

أزيدك مكان ما رعتك، قلت: و تعرفني يا عمر؟ قال: لا، من أنت؟ قلت: أنا

زيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: الحبر. قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله

صلى الله عليه وسلم ما فعلت و قلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر! لم تكن من علامات

النبوة شيء إلا و قد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه

إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، و لا يزيده شدة الجهل عليه إلا

حلما، فقد خبرتهما، فأشهدك يا عمر أني رضيت بالله ربا و بالإسلام دينا

و بمحمد نبيا، و أشهدك أن شطر مالي - و إني أكثرها مالا - صدقة على أمة محمد.

فقال عمر رضي الله عنه: أو على بعضهم فإنك لا تسعهم. قلت: أو على بعضهم.

فرجع عمر و زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال زيد: أشهد أن لا إله

إلا الله، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم. و آمن به و صدقه

و بايعه و شهد معه مشاهد كثيرة. ثم توفي زيد في غزوة تبوك مقبلا غير مدبر،

رحم الله زيدا.

قلت: و أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (81 - 83)

بتمامه: أخبرنا ابن أبي عاصم النبيل: نا الحوطي: نا الوليد بن مسلم ..

و حدثنا الحسن بن محمد: نا أبو زرعة: نا محمد بن المتوكل: نا الوليد بن مسلم

به.

و أخرجه ابن حبان (2105 - موارد) و أبو نعيم في " دلائل النبوة " (1/ 52)

و الحاكم (3/ 604 - 605) و البيهقي (6/ 52) و في " دلائل النبوة " (6/ 278)

من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني به و قال الحاكم:

" صحيح الإسناد "!

و رده الذهبي بقوله:

" قلت: ما أنكره و أركه! لا سيما قوله: " مقبلا غير مدبر "، فإنه لم يكن في

غزوة تبوك قتال ".

قلت: و علته حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام، فإنه ليس بالمعروف و لذلك بيض

له الذهبي في " الكاشف "، و قال الحافظ:

" مقبول ".

يعني عند المتابعة، و إلا فلين الحديث كما نص عليه في مقدمة " التقريب "،

و كأنه لجهالته لم يورده البخاري في " التاريخ " و لا ابن أبي حاتم في " الجرح

و التعديل ". و أما ابن حبان فذكره في " الثقات " (4/ 170) على قاعدته في

توثيق المجهولين التي نبهنا عليها مرارا في هذا الكتاب و غيره، حتى صار ذلك

معلوما عند عامة طلاب هذا العلم الشريف، و كان ذلك من قبل نسيا منسيا.

و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

و قد ذهل الحافظ عن علة الحديث هذه، و عن النكارة التي أشار إليها الذهبي في

آخره، فقال في ترجمة زيد بن سعنة من " الإصابة ":

" رجال إسناده موثقون، و قد صرح الوليد فيه بالتحديث، و مداره على محمد بن

أبي السري، وثقه ابن معين، و لينه أبو حاتم، و قال ابن عدي: محمد كثير

الغلط ".

قلت: و فات الحافظ أنه لم يتفرد به محمد هذا، بل تابعه عبد الوهاب بن نجدة

الحوطي عند أبي الشيخ و الطبراني، و هو ثقة، فالعلة ممن فوقهما، و قد عرفتها

، والله تعالى هو الموفق.

(تنبيه): قد أخرج الحاكم طرفا من الحديث، و هو المتعلق بالتقاضي في مكان

آخر من " المستدرك "، لكن سقط منه محمد بن حمزة، فظهر إسناده إسناد آخر، كما

حققته في " أحاديث البيوع " و بالله التوفيق.

(تنبيه): لقد علمت مما تقدم أن الذهبي رد على الحاكم في تصحيحه للحديث،

و لقد دهشت حقا حين وقع بصري على قول الدكتور قلعجي المعلق على " الدلائل " (

6/ 280):

" و قال الذهبي: صحيح ".

و هذا كذب على الذهبي، و لا أقول إنه عن عمد، فقد يكون عن جهل و سوء فهم أو

غفلة، فإن الذهبي قال ما نصه بالحرف:

" صحيح. قلت: ما أنكره و أركه .. " إلخ.

فقوله: " صحيح " هو حكاية من الذهبي لتصحيح الحاكم، و ليس تصحيحا من الذهبي

كما زعم الدكتور، بدليل رده عليه بقوله:

" قلت: ما أنكره .. " إلخ.

و هذا واضح جدا عند كل من له معرفة باللغة العربية، و معرفة ما بإسلوب الذهبي

في تعقبه على الحاكم، فإنه يحكي قوله أولا، ثم يعقب عليه بما عنده من نقد إن

كان عنده، فلا أدري - والله - تعليلا لهذه الكذبة، و أي شيء خطر في البال

فأحلاه مر!

و سيأتي أمثلة أخرى تدل على مبلغ علم هذا الدكتور، فانظر مثلا الحديث (2208)

.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير