وهذا أقوى من رواية الحاكم، وقد كشف علة أخرى، وهي أن الفيدي لم يسمعه من أبي معاوية، بل هناك واسطة بينهما، فسقطت حجة من اعتمد على متابعة الفيدي لأبي الصلت لتبرئته.
وابن الطفيل هذا كوفي مستور، ولم أجد فيه توثيقاً معتبراً، فالظاهر أنه من المجاهيل والضعفاء الذين عمّهم الحفاظ بتهمة سرقة الحديث من أبي الصلت، أو أنه أُدخل عليه من قبل الكوفيين الشيعة -مخرج الحديث-، ولا سيما أنني لم أَرَ له عن أبي معاوية حديثاً غير هذا بعد البحث، فروايته عنه غريبة، بل رأيتُ ابن الطفيل يروي عن الأعمش عدة أحاديث بواسطة شريك وغيره، لا عن أبي معاوية (كما في المعجم الأوسط 2/ 275 و276 والكبير للطبراني 5/ 166 رقم 4970 وبحر الفوائد للكلاباذي 302 والسنة للالكائي 8/ 1389 وتالي تلخيص المتشابه 2/ 467)، والله أعلم.
نعم، رُوي أن ابن معين وثق ابن الطفيل (علل الخلال 121 منتخبه)، ولكن راويه عن ابن معين -محمد بن أبي يحيى- لا يُعرف، وتقدم الكلام عليه في الطريق السابقة، ولم يذكر التوثيق أحد من رواة ابن معين المعروفين.
3) محمد بن الطفيل عن أبي معاوية:
تقدم في الرواية السابقة.
4) جعفر بن محمد البغدادي عنه بنحوه: أخرجه الخطيب (7/ 172 - 173) -ومن طريقه ابن عساكر (42/ 381) وابن الجوزي (1/ 350) - من طريق الحافظ مطين، قال: ثنا جعفر بن محمد البغدادي أبومحمد الفقيه -وكان في لسانه شيء- حدثنا أبومعاوية به.
قول مطين عن شيخه: "وكان في لسانه شيء"؛ إشارة إلى أنه يكذب، وقد كان بعض الحفاظ إذا أراد تكذيب راو: ذَكَره وأشار بيده إلى لسانه (انظر مثلاً: الجرح والتعديل 6/ 168 والضعفاء لأبي زرعة 360 و362 و676)، ولا سيما وقد قال مطين آخر روايته هذه: لم يرو هذا الحديث عن أبي معاوية من الثقات أحد، رواه أبوالصلت فكذّبوه.
وقال ابن الجوزي: إن جعفر بن محمد البغدادي متهم بسرقة هذا الحديث.
وحكم الذهبي في الميزان (1/ 415) على هذه الرواية بالوضع.
وتقدم تجويز الإمام الألباني أن يكون جعفر هذا هو الفيدي المذكور قبل روايتين.
5) عمر بن إسماعيل بن مجالد عنه بنحوه: أخرجه العقيلي (3/ 150) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (6/ 99) وابن بطة في الإبانة، والخطيب (11/ 204) وابن عساكر (42/ 381) وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 351).
وعمر هذا متروك، وكذبه ابن معين لحديثه هذا، وقال: حديث كذب ليس له أصل، ووافقه أحمد، والعقيلي، وابن عدي، وابن عساكر، كما أنكر حديثه أبوزرعة الرازي، وقال الدارقطني: إنه سرقه من أبي الصلت. (انظر: سؤالات ابن الجنيد 51 والعلل لعبد الله بن أحمد 3/ 9 والضعفاء لأبي زرعة 520 - 521 والكامل لابن عدي 5/ 67 والتعليقات على المجروحين 179 وتاريخ الخطيب).
6) أبو عبيد القاسم بن سلام، عنه: أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 130) -ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 352) - عن الحسين بن إسحاق الأصبهاني، ثنا إسماعيل بن محمد بن يوسف الجبريني، عن أبي عبيد به.
وإسماعيل هذا متهم بالكذب، وحكم ابن حبان أنه ممن يقلب الأسانيد ويسرق الحديث. (انظر: اللسان 1/ 433)، وبه أعله ابن الجوزي.
وله طريق أخرى أردأ حالاً، فقال الدارقطني في تعليقاته على المجروحين (179): حدَّث به شيخ لأهل الري دجال، يقال له: محمد بن يوسف بن يعقوب، حدّث به عن شيخ له مجهول، عن أبي عبيد القاسم بن سلام، عن أبي معاوية.
7) الحسن بن علي بن راشد عنه بنحوه: أخرجه ابن عدي (2/ 341 و5/ 67) -ومن طريقه ابن عساكر (42/ 379) وابن الجوزي (1/ 352) - عن الحسن بن علي العدوي، عن ابن راشد.
والعدوي وضاع مشهور، وبه أعله ابن الجوزي، وقال ابن عدي في الموضع الأول: هذا حديث أبي الصلت الهروي عن أبي معاوية، على أنه قد حدث به غيره، وسرق منه من الضعفاء، وليس أحد ممن رواه عن أبي معاوية خير وأصدق من الحسن بن علي بن راشد، والذي ألزقه العدوي عليه.
وتكلم عليه ابن عدي في الموضع الثاني بمعناه.
8) إبراهيم بن موسى الرازي عنه بنحوه: رواه ابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (ص105 مسند علي) عنه.
قال ابن جرير: الرازي هذا ليس بالفراء، وقال: لا أعرفه، ولا سمعت منه غير هذا الحديث.
قلت: فإن كان الراوي عنه -بل من لم نجد راويا عنه سواه- لا يعرفه فمن يعرفه؟ فهو نكرة مجهول، ويشمله اتهام الحفاظ بسرقة الحديث من أبي الصلت، وأنه لم يروه ثقة عن أبي معاوية.
¥