وَقَالَ اِبْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ: هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَشَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ: هُوَ ضَعِيفٌ. نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُمَا وَتَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ.
وَقَالَ اِبْنُ حِبَّانَ: هَذَا أَحْسَنُ خَبَرٍ رُوِيَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي نَفْيِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ , وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَضْعَفُ شَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ لَهُ عِلَلًا تُبْطِلُهُ.
فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ حَدِيثَ اِبْنِ مَسْعُودٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا بِحَسَنٍ , بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ.
وَأَمَّا تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ فَلَا اِعْتِمَادَ عَلَيْهِ لأنه لا يعني بالحسن القبول بل يعني به ما لم يروه كذاب أو متهم به.
وَأَمَّا تَصْحِيحُ اِبْنِ حَزْمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِحَّةَ السَّنَدِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْمَتْنِ عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَ اِبْنِ حَزْمٍ لَا اِعْتِمَادَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَنْبِ تَضْعِيفِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ، وبهذا أيضاً يجاب عن تصحيح التركماني، والشيخ الألباني رحمه الله.
قال البخاري رحمه الله – بعد أن ذكر حديث ابن مسعود الذي سيأتي بعد هذا [2532]: وهذا هو المحفوظ عند أهل النظر من حديث عبد الله بن مسعود.اهـ
وَلَوْ تَنَزَّلْنَا وَسَلَّمْنَا أَنَّ حَدِيثَ اِبْنِ مَسْعُودٍ هَذَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ اِبْنَ مَسْعُودٍ قَدْ نَسِيَهُ كَمَا قَدْ نَسِيَ أُمُورًا كَثِيرَةً.
قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي (نَصْبِ الرَّايَةِ/1/ 528) نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ: لَيْسَ فِي نِسْيَانِ اِبْنِ مَسْعُودٍ لِذَلِكَ مَا يُسْتَغْرَبُ , قَدْ نَسِيَ اِبْنُ مَسْعُودٍ مِنْ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ , وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ , وَنَسَّى مَا اِتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ كَالتَّطْبِيقِ وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ. وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ ? بِعَرَفَةَ , وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} وَإِذَا جَازَ عَلَى اِبْنِ مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ.اهـ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ اِبْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يَنْسَ فِي ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثِ اِبْنِ مَسْعُودٍ ; لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَالَ السُّيُوطِيُّ: إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنْ النَّبِيِّ ? كَمَا عَرَفْت فِيمَا قَبْلُ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ (6/ 60): إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ كَثْرَةُ عَدَدِ الرُّوَاةِ وَشُهْرَةُ الْمَرْوِيِّ , حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَرْوِيه وَاحِدٌ وَالْآخَرُ يَرْوِيه اِثْنَانِ فَاَلَّذِي يَرْوِيه اِثْنَانِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ: وَمِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ , وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ التَّوَاتُرُ.
¥