وَقَالَ اِبْنُ التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ: وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا يَعْنِي وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ دَلَالَةٌ قَوْلِيَّةٌ , وَقَدْ تَأَيَّدَ بِحَدِيثِ اِبْنِ عُمَرَ فَيُمْكِنُ تَرْجِيحُهُ عَلَى حَدِيثِ وَائِلٍ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ فِعْلِيَّةٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَرْجَحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ اِنْتَهَى.
وَرَجَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حَدِيثِ وَائِلٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: الْهَيْئَةُ الَّتِي رَأَى مَالِكٌ وَهِيَ الْهَيْئَةُ الَّتِي هِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْقُولَةٌ فِي صَلَاةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ اِنْتَهَى.
(وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ: إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الْفَحْلِ. (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ) قَالَ اِبْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ , وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِثِقَةٍ , وَقَالَ الْفَلَّاسُ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ , وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: اِسْتَبَانَ كَذِبُهُ فِي مَجْلِسٍ , وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: مَتْرُوكٌ ذَاهِبٌ , وَقَالَ أَحْمَدُ مَرَّةً لَيْسَ بِذَاكَ , وَمَرَّةً قَالَ: مَتْرُوكٌ , وَقَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ: تَرَكُوهُ كَذَا فِي الْمِيزَانِ.
اِعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَغَيْرَهُمْ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى اِسْتِحْبَابِ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ كُلِّهَا مَخْدُوشَةٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَاهُ اِبْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ.
وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بَاطِلَةٌ , فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ: قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ: أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ , وَلَوْ كَانَ مَحْفُوظًا لَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ حَدِيثُ نَسْخِ التَّطْبِيقِ اِنْتَهَى.
قُلْت: وَفِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ وَهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ.
قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ: اِتَّهَمَهُ أَبُو زُرْعَةَ. وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ إِسْمَاعِيلَ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ مَتْرُوكٌ.
الثَّانِي: أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَلْبًا مِنْ الرَّاوِي وَكَانَ أَصْلُهُ: وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ , وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ , فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ هُوَ تَقْدِيمُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ. قَالَهُ اِبْنُ الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ، وَقَالَ: وَلَمَّا عَلِمَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ ذَلِكَ قَالُوا رُكْبَتَا الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ لَا فِي رِجْلَيْهِ , فَهُوَ إِذَا بَرَكَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا فَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ , قَالَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ يَضَعُ يَدَيْهِ ,
¥