تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجاء في (لسان العرب) لابن منظور (2/ 220): (وثبّج الكتاب والكلام تثبيجاً: لم يبينه، وقيل: لم يأت به على وجهه؛ والثبَجُ: اضطراب الكلام وتفتنه؛ والثَبَجُ: تعمية الخط وترك بيانه؛ [قال] الليث: التثبيج: التخليط). وقد تبين لي من هذا الكلام وغيره من كلام أهل اللغة في معنى هذه اللفظة، ومن استقرائي لمواضع استعمال المحدثين لهذه العبارة أن المراد بتثبيج الحديث الاضطراب فيه وعدم الإتيان به على وجهه؛ فمن الوهم البين ما صنعه بعض المعاصرين إذ ذكر كلمة (يثبج) في مرتبة دجال ووضاع وأفاك وكذاب ونحوها. وكيف يصح في الأذهان، بل كيف يخطر بالبال أنَّ أحمد يصف وكيع بن الجراح وأبا عاصم - حاشاهما - بالدجل والوضع؟!

لقد وقع – بسبب التصحيف على ما يظهر – وهم في كتاب ابن عدي فنقل عن البخاري عن عبد الرزاق عن معمر أنه قال في إسماعيل بن شروس: يضع الحديث، والصواب (يثبج الحديث) كما في تاريخ البخاري نفسه، وكما نقله عنه العقيلي والذهبي في الميزان وغيرهما؛ وهذا الوهم في كتاب ابن عدي، إما لذهول منه، أو أن الكلمة تصحفت عليه أو على أحد نساخ كتابه.

ورسم (يثبج) مقارب لرسم (يضع)، فتأملهما تجدهما كذلك.

وممن وهم في هذه المسألة الذهبي إذ نقل في الميزان عن البخاري عن عبد الرزاق عن معمر الكلمتين معاً، نقل أولاهما من تاريخ البخاري والثانية من الكامل، فأوهم صنيعه أن إحدى الكلمتين تفسير للأخرى؛ ونقل كلام الذهبي هذا صاحب (الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث) (ص70).

وقد وثق إسماعيلَ بنَ شروس ابنُ حبان مع شدة متابعته للبخاري، وابنُ شاهين إذ ذكره في ثقاته؛ وأكثر من ذلك أنه وثقه إمام علم العلل وشيخ البخاري وإمامه في فنه الإمام علي بن المديني؛ ومثل ذلك أو أكثر منه أنه وثقه مرتين إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين كما نقله عنه وأقره عليه الخطيب في موضح أوهام الجمع والتفريق؛ أفليس من البعيد أن يتهم ابنَ شروس بالوضع والكذب تلميذُه الذي هو أعرف الناس به معمر بن راشد – مع أن معمراً ليس ممن يشدد في نقد الرواة – ثم ينقله عنه عبد الرزاق وهو تلميذه الملازم له، ثم يأتي تلامذة عبد الزاق وتلامذتهم فيوثقونه من غير أدنى إشارة إلى إتهام معمر له بالوضع، ولا سيما أنهم لم ينقلوا توثيقه عن أحد من أقران معمر أو أقران عبد الرزاق ليقال لعلهم رجحوا قول الموثق على قول الجارح لأمر ما؟! ثم يأتي أحد أكابرهم وهو إمام التصحيح محمد بن اسماعيل البخاري فيشذ عن كل أقرانه وشيوخه وينقل تكذيب معمر له ويسكت عليه؟! هذا مع أن الذي في تاريخ البخاري عن معمر غير ذلك؟! بلى هذا بعيد، بل ليس بَعده في البعد غاية.

والله أعلم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير