لَمَا سَهُلَ عَلَيْنَا الانْتِصَابُ لِمَا سَأَلْتَ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالتَّحْصِيلِ، وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ مَا أَعْلَمْنَاكَ مِنْ نَشْرِ الْقَوْمِ الأَخْبَارَ الْمُنْكَرَةَ بِالأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْمَجْهُولَةِ، وَقَذْفِهِمْ بِهَا إِلَى الْعَوَامِّ الَّذِينَ لا يَعْرِفُونَ عُيُوبَهَا، خَفَّ عَلَى قُلُوبِنَا إِجَابَتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ.
وَاعْلَمْ وَفَّقَكَ اللهُ تَعَالَى: أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا، وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنْ الْمُتَّهَمِينَ، أَنْ لا يَرْوِيَ مِنْهَا إِلاَّ مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ، وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ، وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللازِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ قَوْلُ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ»، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ»، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ».
فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآيِ: أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ. وَالْخَبَرُ، وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا، إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ. وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى نَفْيِ رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنْ الأَخْبَارِ كَنَحْوِ دَلالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهُوَ الأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ».
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ» اهـ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَطَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ فِي بَيَانِهِ، وَتَقْرِيرِ دِلالَتِهِ، وَإيْضَاحِ مَحَجَّتِهِ. وَإِنَّمَا اقْتَصَرْنَا هَاهُنَا عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْ إِيْرَادِهِ، وَهُوَ التَّحْذِيرُ مِنْ رِوَايَةِ الأبَاطِيلِ وَالْوَاهِيَاتِ، وَالْمَنَاكِيْرِ وَالْمَوْضُوعَاتِ.
وَمِنْ بَيْنِ التَّصَانِيفِ الَّتِي يَجِبُ بَيَانُ مَا أَخْطَأَ فِيهِ مُصَنِّفُوهَا، هَذَا الْمَجْمُوعُ الْمُسَمَّى «الرَّوْضُ الأَنِيقُ فِي فَضْلِ الصِّدِّيقِ» لِلْحَافِظِ السُّيُوطِيِّ، وَالَّذِي أَوْرَدَ فِيهِ أَرْبَعِينَ حَدِيثَاً مُخْتَصَرَةْ، وَرَغِبَ أَنْ يَسْهُلَ حِفْظُهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ مِنَ الْبَرَرَةْ. فَكَانَ فِيمَا أَوْرَدَ فِي أَرْبَعِينِهِ مِنَ الأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالْمَنَاكِيرِ وَالْوَاهِيَاتِ، مَا لا يَخْفَى عَلَى الْمُبْتَدِئ الْبَصِيْرِ، فَضْلاً عَنِ الْحَافِظِ النِّحْرِيرِ!.
ـ[عمر رحال]ــــــــ[15 - 04 - 07, 05:20 ص]ـ
شيخنا الحبيب
جزاكم الله عنا، وعن الإسلام خير الجزاء
:: المكتبة الصوتية لشيخنا أبي محمد الألفيّ ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=94416)::
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[16 - 04 - 07, 09:39 ص]ـ
الْحِبَّ الْوَدُودَ / أَبَا حَفْصٍ عُمَرَ.
شُكْرِي لِبِرِّكَ مَوْصُولٌ مَرْفُوعٌ. وَحُبِّى لَكَ لا شَاذٌ وَلا مَعْلُولٌ وَلا مَقْطُوعٌ.
¥