قَالَ أبُو بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ: أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي «تَارِيْخِهِ» وَغَيْرُهُ.
قُلْتُ: أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ «تَارِيْخُ بَغْدَادَ» (11/ 384)، وَعَنْهُ ابْنُ الْجَوزِيِّ «الْعِلَلُ الْمُتَنَاهِيَةُ» (312) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الطَّاهِرِيُّ أَخْبَرَنَا أبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زَكَرِيَّا الشَّاعِرُ ثَنَا أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ دِحْيَةَ ثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنٍ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَكَرَهُ.
قَالَ أَبُو الْفَرَجِ: «هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ الشَّاعِرُ. وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: لا يُحْتَجُّ بِقَزَعَةَ بْنِ سُوَيْدٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ: هُوَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ».
قُلْتُ: وَهَذَا حَدِيثٌ مَنْكَرٌ. وَلَكِنْ لا يَتَّجِهُ اتِّهَامُ أَبِي الْقَاسِمِ الشَّاعِرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ قَزَعَةَ، وَهُوَ الْمُتَّهَمُ بِهِ، وَالشَّاعِرُ بَرِئٌ مِنْ عُهْدَتِهِ!.
وَهَذَا أيضَاً مِنَ السُّيُوطِيِّ تَقْصِيْرٌ مُتَعَمَّدٌ لِتَعْمِيَةِ حَالِ الْحَدِيثِ وَتَمْشِيَتِهِ مَعَ وُضُوحِ نَكَارَتِهِ، إِذْ عَزَاهُ إِلَى الْخَطِيبِ، مَعَ تَخْرِيْجِ مَنْ هُوَ أَقْدَمُ مِنْهُ لَهُ فِي أَشْهَرِ كُتُبِ الضُّعَفَاءِ، وَهُوَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ!.
فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ «الْكاملُ» (5/ 75): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ نُوحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْجنْدِيسَابُورِيُّ ثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى النَّاقِدُ ثَنَا عَمَّارُ بْنُ هَارُونَ الْمُسْتَمْلِيُّ ثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنٍ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نَفَعَنِي مَالٌ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذَاً خَلِيلاً لاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً، وَلَكِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ صَاحِبَكُمْ خَلِيلاً، وَأبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثَنَا بِشْرُ بْنُ دِحْيَةَ ثَنَا قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنٍ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ.
وَقَدْ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَيْضَاً مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ قَزَعَةَ بْنِ سُوَيْدٍ.
قُلْتُ: فَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَى قَزَعَةَ بْنِ سُوَيْدٍ الْبَاهِلِيِّ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ بَيَّنُ الأَمْرِ فِي الضُّعَفَاءِ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِى. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِى مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَيْسَ بِالْمَتِينِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابنُ حِبَّانَ: كَانَ كَثِيْرَ الْخَطَأ فَاحِشَ الْوَهْمِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ فِي رِوَايَتِهِ سَقَطَ الاحْتِجَاجُ بِأَخْبَارِهِ.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِيهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: ثِقَةٌ. وَقَالَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ عَنْهُ: قَزَعَةُ بْنُ سُوَيْدٍ ضَعِيفٌ. وَقَالَ جَعْفَرَ بْنَ أَبَانَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ: لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَمِمَّا دَلَّ عَلَى نَكَارَةِ الْحَدِيثِ مَا اشْتَهَرَ وَاسْتَفَاضَ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِنَّمَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. كَمَا قَالَ إِمَامُ الْمُحَدِّثِينَ «كِتَابُ المَغَازِي» (4064): حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيّاً، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ قَالَ: «أَلا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، إِلا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي».
وَقَالَ الإِمَامُ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى وَابْنُ بَشَّارٍ قَالا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: خَلَّفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تُخَلِّفُنِي فِي النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، غَيْرَ أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي». حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
قُلتُ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مُسْتَفِيضٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ رَوَاهُ كَذَلِكَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٌّ نَفْسَهُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، وَالبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَنَسٌ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَة، وَحُبْشِيُّ بْن جُنَادَةَ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَغَيْرُهُمْ.
¥