فَقَدْ اسْتَغْنَى الْعَارِفُونَ بِفَضْلِ الصِّدِّيقِ بِالصِّحَاحِ عَنْ بَهْرَجَةِ الْكَذَّابِينَ وَالضُّعَفَاءِ. وَمَلأَ حُبُّهُ وَتَوْقِيرُهُ قُلُوبَ الأَخْيَارِ الأَوْفِيَاءِ. وَتَعَطَّرَتْ بِذِكْرِ فَضَائِلِهِ مَحَارِيبُ الْمُؤْمِنِينَ الأَتْقِيَاءِ. وَكَيْفَ لا، وَهُوَ حَبِيبُ إِمَامِ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتِمِ الأَنْبِيَاءِ.
فَهُوَ الَّذِي نَطَقَتْ بِفَضْلِهِ الآيَاتُ وَالأخْبَارْ. وَاجْتَمَعَ عَلَى بَيْعَتِهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارْ. فَيَا مُبْغِضِيهِ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ ذِكْرِهُ نَارْ. كُلَّمَا تُلِيَتْ فَضَائِلُهُ عَلا عَلَيْهُمُ الصَّغَارْ. أَتَرَى لَمْ يَسْمَعِ الرَّوَافِضُ الْكُفَّارْ. «ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارْ».
دُعِيَ إِلَى الإِسْلامِ فَمَا تَلَعْثَمَ وَلا أَبَى. وَسَارَ عَلَى الْمَحَجَّةِ فَمَا زَالَ وَلا كَبَا. وَصَبَرَ فِي مُدِّتِهِ مِنْ مُدَى الْعِدَى عَلَى وُقُوعِ الشَّبَا. وَأَكْثَرَ فِي الانْفَاقِ فَمَا قَلَّلَ حَتَّى تَخَلَّلَ بِالْعَبَا. تَاللهِ قَدْ زَادَ عَلَى السَّبْكِ فِي كُلِّ دِينَارٍ دِينَارْ. «ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارْ».
مَنْ كَانَ قَرِينَ النَّبِيِّ فِي شَبَابِهِ. مَنْ ذَا الَّذِي سَبَقَ إِلَى الإِيْمَانِ مِنْ أَصْحَابِهِ. مَنِ الَّذِي أَفْتَى بَحَضْرَتِهِ سَرِيعَاً فِي جَوَابِهِ. مَنْ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَهُ، وَمَنْ آخِرُ مَنْ صَلَّى بِهِ. مَنِ الَّذِي ضَاجَعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي تُرَابِهِ. فَاعْرَفُوا حَقَّ الْجَارِ.
نَهَضَ يَوْمَ الرِّدَّةِ بِفَهْمٍ وَاسْتِيقَاظِ. وَأَبَانَ مِنْ نَصِّ الْكِتَابِ مَعْنَىً دَقَّ عَنْ حَدِيدِ الأَلْحَاظِ. فَالْمُحَبُّ يَفْرَحُ بِفَضَائِلِهِ وَالْمُبْغِضُ يَغْتَاظُ. حَسْرَةُ الرَّافِضِيِّ أََنْ يَفِرَّ مِنْ مَجْلِسِ ذِكْرِهُ , وَلَكِنْ أَيْنَ الْفِرَارْ؟.
كَمْ وَقَى الرَّسُولَ بالْمَالِ وَالنَّفْسِ. وَكَانَ أَخَصَّ بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَهُوَ ضَجِيعُهُ فِي الرَّمْسِ. فَضَائِلُهُ جَلِيَّةٌ وَهِيَ خَلِيَّةٌ عَنِ اللَّبْسِ. يَا عَجَبَاً! مَنْ يُغَطِي عَيْنَ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي نِصْفِ النَّهَارْ.
لَقَدْ دَخَلا غَارَاً لا يَسْكُنُهُ لابِثْ. فَاسْتَوْحَشَ الصِّدِّيقُ مِنْ خَوْفِ الْحَوَادِثْ. فَقَالَ الرَّسُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ وَاللهُ الثَّالِثْ». فَنَزَلَتِ السَّكِينَةُ فَارْتَفَعَ خَوْفُ الْحَادِثْ. فَزَالَ الْقَلَقُ وَطَابَ عَيْشُ الْمَاكِثْ. فَقَامَ مُؤَذِّنُ النَّصْرِ يُنَادِي عَلَى رُؤُوسِ مَنَائِرِ الأَمْصَارْ. «ثَانِي اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارْ».
حُبَّهُ وَاللهِ رَأْسُ الْحَنِيفِيَّةْ. وَبُغْضُهُ يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ الطَّوِيَّةْ. فَهُوَ خَيْرُ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ , وَالْحُجَّةُ عَلَى ذَا قَوِيَّةْ. لَوْلا صِحَّةُ إِمَامَتِهِ مَا قَالَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةْ: مَهْلاً مَهْلاَ!! فَإِنَّ دَمَ الرَّوَافِضِ قَدْ فَارَ.
وَاللهِ مَا أَحْبَبْنَاهُ لِهَوَانَا. وَلا نَعْتَقِدُ فِي غَيْرِهِ هَوَانَا. ولَكِنْ أَخَذْنَا بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَكَفَانَا: رَضِيَكَ رَسُولُ اللهِ لِدِينِنَا , أفَلا نَرْضَاكَ لِدُنْيَانَا. تَاللهِ لَقَدْ أَخَذْتَ مِنَ الرَّوَافِضِ بِالثَّارْ.
تَاللهِ لَقَدْ وَجَبْ حَقُّ الصِّدِّيقِ عَلَيْنَا. فَنَحْنُ نَقْضِي بِمَدَائِحِهِ وَنُقِرُّ بِمَا نُقِرُّ بِهِ مِنَ السَّنَى عَيْنَا. فَمَنْ كَانَ رَافِضِيَّاً فَلا يَعُدْ إِلَيْنَا. وَلَيْقُلْ: لِي أَعْذَارْ. (1)
هَذَا عَلَيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَعْدَلُ الشُّهُودِ وَأَوْثَقُ الْمُعَدِّلِينَ الأَخْيَارِ، يَنْطِقُ بِلِسَانِ الاعْتِزَازِ وَالافْتِخَارِ، وَيُقَدِّمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ عَلَى سَائِرِ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَأَكْرَمِ بِهَا شَهَادَةً تَدْحَضُ مَزَاعِمَ الرَّوَافِضِ الأَشْرَارِ!.
قَالَ الْبُخَارِيُّ (3671)، وَأبُو دَاوُدَ (4629): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى يَعْنِي الْمُنْذِرَ بْنَ يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، قَالَ: أَبُو بَكْرٍ، قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟، قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ، وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ، قَالَ: مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
ـــ هَامِشٌ ـــ
(1) الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي «الْفَوَائِدِ».
¥