قول عمر «لا ندري حفظت أو نسيت»، قال ابن حجر في تفسيره «ظهر مصداقه في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عممت في موضع التخصيص» [فتح الباري (9\ 481).]. فهذا لا يعني أن عمر يرد حديثها، بل هو يظن أنها تعمّم الحديث مع أنه خاص بها، وهذا هو رأي الجمهور أيضاً. قال الشوكاني في نيل الأوطار (7\ 106): «فإن قلت أن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة لقوله "لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت"، قلت هذا مطعنٌ باطل بإجماع المسلمين، للقطع بأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة. فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة. وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة. ولم يُنقل أيضاً عن أحد من المسلمين، أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان ناقله. ولو كان ذلك مما يُقدح به، لم يبق حديث من الأحاديث النبوية إلا وكان مقدوحاً فيه! لأن تجويز النسيان لا يسلم منه أحد. فيكون ذلك مُفضياً إلى تعطيل السنن بأسرها. مع كون فاطمة المذكورة، من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حديثها الطويل في شأن الدجال، ولم تسمعه من رسول الله ? إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر، فوعته جميعه. فكيف يظن بها أن تحفظ مثل هذا، وتنسى أمراً متعلقاً بها، مقترناً بفراق زوجها وخروجها من بيته؟! واحتمال النسيان أمر مشترك بينها وبين من اعترض عليها!».
وكلام الشوكاني هذا هو تلخيص لكلام ابن حزم الأندلسي في المحلى المسألة (2008)، الذي قال فيه (10\ 297): «فمن أضل ممن يحتج بما هو أول مبطل له، عصبيةً ولجاجاً في الباطل؟ وهكذا القول في قوله "لها إن جئت بشاهدين يشهدان" أنهما سمعاه من رسول الله ?. فهم أول مخالف لهذا. ولو لزم هذا فاطمة، للزم عمر في كل ما حدث به عن رسول الله ?، وكل أحد من الصحابة، ولا فرق. فمن أضل ممن يموّه على المسلمين بأشياء هو يدين الله تعالى بخلافها وبطلانها. ونعوذ بالله من الخذلان».
فمما سبق نلاحظ ما يلي:
1) احتج عمر ? بقوله تعالى: ?لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة?.
2) كذلك فاطمة ? احتجت بالقرآن أيضاً، بل وبنفس الآية، فقالت: «بيني وبينكم القرآن. قال الله عز وجل: ?لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. وتلك حدود لله ومن يتعد حدود لله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل لله يحدث بعد ذلك أمرا ?. قالت هذا لمن كانت له مراجعة، فأي أمر يحدث بعد الثلاث، فكيف تقولون لا نفقة لها؟ إذا لم تكن حاملاً، فعلام تحبسونها؟». بعد ذلك أمراً، فسرته بِأنه الطلاق البائن، وقد وافقها بعض المفسرين على ذلك. وكيف تكون لها سكنى بلا نفقة؟
3) أمنا عائشة ? أنكرت على فاطمة بنت قيس ? تعميمها ألا سكنى للمبتوتة، وإنما كان انتقال فاطمة من مسكنها لعذر من خوف اقتحامه عليها. فالإنكار عليها إذاً لأنها تعمّم الخاص على العام، لا أنها وهِمت بالحديث، ولا لأن الحديث متعارض مع القرآن. بل لأنه يتعامل مع حالة خاصة لا يصح تعميمها. فقالت: «ما لفاطمة بنت قيس خيرٌ في أن تذكر هذا الحديث».
وقد اختلف العلماء تبعاً لاختلاف الصحابة. فقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء: لها السكنى، ولا نفقة لها. واحتجوا في إيجاب السكنى وإبطال النفقة لها بقول الله تعالى: ?أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم، ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن. وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن?. قالوا فعم بالسكنى المطلقات، كلهن ولم يخص منهن مطلقة دون أخرى. وخص بالنفقة أولات الأحمال خاصة، فدل ذلك على أن غير الحامل لا نفقة لها. لأن النفقة لو وجبت لغير الحوامل لعمهن جميعاً بالنفقة كما عمهن بالسكنى. واحتجوا بحديث فاطمة بنت قيس أن النبي ? لم يجعل لها نفقة. قالوا فأما أمره إياها بالانتقال فذلك لأنها خشيت في مسكن زوجها (وهو مكان وَحِشٌ) أن يدخل عليها أهله بغير إذن (إذ كان زوجها مسافراً)، فهذا إذاً حالة خاصة. وقال أحمد بأن لا نفقة عليها ولا سكنى، آخذاً بظاهر حديث فاطمة. وقال بعض فقهاء الكوفة بأن لها السكنى، والنفقة أيضاً، و خالفهم في ذلك إبراهيم النخعي [مصنف ابن أبي شيبة (4\ 136).].
وليس هذا موضع بحث الراجح، فمِثل هذا البحث تجده في كتب الفقه. إنما أثبتنا بطلان دعوى رد الحديث بناءً على القرآن. إذ كان النزاع بين الصحابة في تعميم وتخصيص الحديث (دون رده)، وكل طرف كان يستدل بالقرآن.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[09 - 02 - 04, 07:01 م]ـ
وقال الإمام الدارقطني في العلل الواردة في الأحاديث النبوية ج:2 ص:140
164 وسئل عن حديث الأسود بن يزيد عن عمر لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة يعني فاطمة بنت قيس ثم قال لها السكنى والنفقة
فقال رواه أشعث بن سوار عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن الأسود ورواه المحاربي عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود
ورواه أبو أحمد الزبيري عن عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن الأسود
وليست هذه اللفظة التي ذكرت فيه محفوظة وهي قوله وسنة نبينا لأن جماعة من الثقات رووه عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود أن عمر قال لا نجيز في ديننا قول امرأة ولم يقولوا فيه وسنة نبينا
وكذلك رواه يحيى بن آدم وهو أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه عن عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن الأسود عن عمر لم يقل فيه وسنة نبينا وهو الصواب
وكذلك رواه أبو كريب ومحمد بن عبد الله بن نمير عن حفص بن غياث عن الأعمش وخالفهم طلق بن غنام فرواه عن حفص عن الأعمش فقال فيه وسنة نبينا ووهم على حفص في ذلك لأن محمد بن عبد الله بن نمير وأبا كريب أحفظ منه وأثبت روياه عن حفص عن الأعمش ولم يذكرا ذلك والله أعلم) انتهى.
¥