[حول مسألة سماع الإمام (الطبري) من الإمام (البخاري) -رحمهما الله-]
ـ[أبو الفرج المنصوري]ــــــــ[22 - 04 - 07, 01:48 م]ـ
كنت أعمل على تحقيق رسالة للإمام الطبري -رحمه الله- وكانت هذه الرسالة قد حُققت من قبل، وأثبت المحقق أن الإمام أحمد والبخاري من شيوخ الطبري، فبحثت في ذلك، وهذا ما توصلت إليه أردت أن أعرضه على إخواني في هذا الملتقى المبارك لكي أستفيد من تعليقاتكم وآرائكم
......
قال: "علو أسانيده، وشهرة شيوخه الّذين نقل عنهم عقيدته، كالإمام أحمد! والبخاري ... "
قلت: إن كان القصد بأنَّ الإمام أحمد -رحمه الله- من شيوخ الإمام الطبري مجازًا، فلا بأس من ذلك؛ لأنه قد يستفيد المرء من العالم سواء كان من قوله أوكتبه التي وصلت إليه، وهو لم يقابله ولم يسمع منه، ويصح أن يكون شيخًا له، أما إن كان القصد من ذلك أنه سمع منه وحضر مجالسه -كما قاله د. فؤاد سزكين (1) أثناء ترجمته للطبري؛ فلا؛ لأنَّه ليس من شيوخه فضلًا أنه لم يقابله ولم يسمع منه، ومما يؤيد ذلك:
- أنه لم يترجم له في تاريخه!
- ولم يؤثر عنه رواية واحدة قد صرّح فيها بالسماع من الإمام أحمد مباشرة وبدون واسطة في جميع كتبه!!
- والأقوى من ذلك ما صرّح به تلميذه أبو بكر بن كامل بأنَّ الإمام أحمد -رحمه الله- قد تَوَفاه الله تعالى والطبري في رحلته إليه (2).
أما بالنسبة لسماعه من البخاري ففي القلب منه شيء فمن العجيب أن يُعد الإمام البخاري من شيوخ الطبري؛ وتغفل كتب الرجال والتراجم عن ذكر ذلك!!
وبعد البحث والتنقيب في كتب الرجال والتراجم التي تعتني بذكر شيوخ الراوي وتلامذته، فلم أجد لابن جرير الطبري ذكرًا ضمن تلامذة البخاري، ولا للبخاري ذكرًا ضمن شيوخ الطبري، وهما من هما في العلم والمكانة والشهرة؟!
وبجرد كل ما وقع تحت يدي من كتب الإمام الطبري المطبوعة فلم أجد رواية واحدة قد صرح فيها الإمام الطبري بالسماع من الإمام البخاري غير أثر واحد في تفسيره موقوف على الحسن البصري –رحمه الله- عند قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة، إلى ربها ناظرة)
فقال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: ثنا آدم، قال: ثنا المبارك عن الحسن ...
ويحتمل –والله أعلم- أنَّ لفظة (البخاري) هذه تحريف، وهذا ما ظهر لي لعدة أسباب:
- أولًا: لما ذكرته آنفًا؛ في أنه لم يُعرف في كتب الرجال والتراجم شيء عن ذلك
- ثانيًا: لأنَّه يوجد أربعة من رجال الإمام الطبري –رحمه الله- يحملون اسم (محمد ابن إسماعيل)!! وهم:
1 - أبو جعفر /محمد بن إسماعيل بن سمرة، الأحمسي، السراج، الكوفي.
2 - أبو صالح/محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار، الضراري، الرازي.
3 - محمد بن إسماعيل المرادي، المصري.
4 - أبو إسماعيل/محمد بن إسماعيل بن يوسف، السلمي الترمذي، ثم البغدادي.
- والأقوى والأوضح من ذلك أنَّ أحدهم – وهو الثاني: محمد بن إسماعيل بن أبي ضرار الضرائري أو الضراري؛ صُحِّف اسمه في أكثر موطن، فقال مؤلف كتاب (معجم شيوخ الطبري):
" لم أجد مِن شيوخ الطبري، مَن تحرَّف، وتصحَّف اسمه، ونسبه، على النُّسَّاخ، مثل: (الضراري) هذا!! فقد تعددت نسبته حتى وصلت إلى خمس نسب!! في عشرة مواضع رواها الطبري عنه في (التفسير)، وموضع في (التاريخ)، وثلاثة في (تهذيب الآثار)، وكلها لشيخ واحد، هو الضراري هذا، فصُحِّف إلى:
(الفزاري) كما في الأثر رقم 2234، 21756، 32999
(الصواري) كما في الأثر رقم 37843
(الضراري) كما في الأثر رقم 23978 وفي التاريخ أيضًا (2/ 236)
(الصراري) كما في الأثر رقم 24415 في (تهذيب الآثار)
وحُرِّفَ أخيرًا إلى (وسواسي) كما في الأثر رقم 15977 عند الشيخ شاكر فقط. أهـ كلامه باختصار وتصرف.
قلت: فلما لم يكن صُحِّف أو حُرِّف اسمه أيضًا إلى البخاري؟! لاسيما أنَّ كلمة البخاري على نفس الوزن، وعلى شكل الرسم، فكلهم ينتهوا (بألف) ثم (راء) ثم (ياء)!!
وقد وقفت على نسخة خطية متقدمة ونفيسة من التفسير محفوظة بمعهد المخطوطات وهي مصورة عن نسخة بمكتبة كلية القرويين بفاس، وهي نفس النسخة التي اعتمد عليها الشيخ التركي وجعلها أصلًا في تحقيقه لتفسير الطبري، فوجدت أنَّ الكلمة المذكورة في نفس الموطن حُرِّفت أيضًا إلى (المحاربي!!) (3) وليس إلى البخاري.
¥