وأما الحامل فلما اختلف جهة النفقة عليها قبل الوضع وبعده ذكر سبحانه الجهتين والسببين وهذا من أسرار القرآن ومعانيه التي يختص الله بفهمها من يشاء
وأيضا فلو كان قوله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن في البوائن لكان دليلا ظاهرا على أن الحائل البائن لا نفقة لها لا شتراط الحمل في وجوب الإتفاق والحكم المعلق بالشرط يعدم عند عدمه وأما آية السكنى فلا يقول أحد إنها مختصة بالبائن لأن السياق يخالفه ويبين أن الرجعية مرادة منها فإما أن يقال هي مختصة بالرجعية كما يدل عليه سياق الكلام وتتحد الضمائر ولا تختلف مفسراتها بل يكون مفسر قوله فأمسكوهن هو مفسر قوله أسكنوهن وعلى هذا فلا حجة في سكنى البائن
وإما أن يقال هي عامة للبائن والرجعية وعلى هذا فلا يكون حديث فاطمة منافيا للقرآن بل غايته أن يكون مخصصا لعمومه وتخصيص القرآن بالسنة جائز واقع هذا لو كان قوله (أسكنوهن) عاما فكيف ولا يصح فيه العموم لما ذكرناه وقول النبي لا نفقة لك ولا سكنى وقوله في اللفظ الآخر إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة رواه الإمام أحمد والنسائي وإسناده صحيح
وفي لفظ لأحمد إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما
كانت عليها الرجعة فإذا لم يكن له عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى وهذا يبطل كل ما تأولوا به حديث فاطمة فإن هذا فتوى عامة وقضاء عام في حق كل مطلقة فلو لم يكن لشأن فاطمة ذكر في المبين لكان هذا اللفظ العام مستقلا بالحكم لا معارض له بوجه من الوجوه
فقد تبين أن القرآن لا يدل على خلاف هذا الحديث بل إنما يدل على موافقته كما قالت فاطمة بينى وبينكم القرآن
ولما ذكر لأحمد قول عمر لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة تبسم أحمد وقال أي شيء في القرآن خلاف هذا وأما قوله في الحديث وسنة نبينا فإن هذه اللفظة وإن كان مسلم رواها فقد طعن فيها الأئمة كالإمام أحمد وغيره
قال أبو داود في كتاب المسائل سمعت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة قلت أيصح هذا عن عمر قال لا
وروى هذه الحكاية البيهقي في السنن والآثار عن الحاكم عن ابن بطة عن أبي حامد الأشعري عن أبي داود
وقال الدارقطني هذا اللفظ لا يثبت يعني قوله وسنة نبينا ويحيى بن آدم أحفظ من أبي أحمد الزبيري وأثبت منه وقد تابعه قبيصة بن عقبة فرواه عن عمار بن رزيق مثل قول يحيى بن آدم سواء والحسن بن عمارة متروك وأشعت بن سوار ضعيف ورواه الأعمش عن إبراهيم دون قوله وسنة نبينا والأعمش أثبت من أشعت وأحفظ وقال البيهقي هذه اللفظة أخرجها مسلم في صحيحه
وذهب غيره من الحفاظ إلى أن قوله وسنة نبينا غسر محفوظة في هذا الحديث فقد رواه يحيى بن آدم وغيره عن عمار بن رزيق في السكنى دون هذه اللفظة وكذلك رواه الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عمر دون قوله وسنة نبينا وإنما ذكره أبو أحمد عن عمار وأشعث عن الحكم وحماد عن إبراهيم عن الأسود عن عمر والحسن بن عمارة عن سلمة بن كهيل عن عبد الله بن الخليل الحضرمي عن عمر ثم ذكر كلام الدارقطني أنها لا تثبت
فقد تبين أنه ليس في السنة ما يعارض حديث فاطمة كما أنه ليس في الكتاب ما يعارضه
وفاطمة امرأة جليلة من فقهاء الصحابة غير متهمة في الرواية
وما يرويه بعص الأصوليين لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت غلط ليس في الحديث وإنما الذي في الحديث حفظت أم نسيت هذا لفظ مسلم
قال هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد أنه ذكر عند الشعبي قول عمر هذا حفظت أم نسيت فقال الشعبي امرأة من قريش ذات عقل ورأي تنسى قضاء قضى به عليها قال وكان الشعبي يأخذ بقولها
وقال ميمون بن مهران لسعيد بن المسيب تلك امرأة فتنت الناس لئن كانت إنما أخذت بما أفتاها رسول الله ما فتنت الناس وإن لنا في رسول الله أسوة حسنة
ثم رد خبرها بأنها امرأة مما لا يقول به أحد وقد أخذ الناس برواية من هو دون فاطمة وبخبر الفريعة وهي امرأة وبحديث النساء كأزواج النبي وغيرهن من الصحابيات بل قد احتج العلماء بحديث فاطمة هذا بعينه في أحكام كثيرة
¥