فقال الزركشي في " اللآليء المنثورة في الأحاديث المشهورة " (رقم 166 ـ نسختي
): و هذا الحديث أنكره يحيى بن معين و غيره على سويد بن سعيد , لكن لم يتفرد
به , فقد رواه الزبير بن بكار فقال: حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن
الماجشون عن عبد العزيز بن أبي حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم فذكره , و هو إسناد صحيح.
قال الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة ": (420 ـ طبع الخانجي) بعد أن ساق
هذه الطريق: و ينظر هل هذه هي الطريق التي أورده الخرائطي منها , فإن تكن هي
فقد قال العراقي: في سندها نظر , و من طريق الزبير أخرجه الديلمي في مسنده ,
و لكن وقع عنده عن عبد الله بن عبد الملك بن الماجشون لا كما هنا.
قلت: أما طريق الخرائطي فلم يسقها السخاوي , و قد أوردها العلامة المحقق ابن
القيم و تكلم عليها فقال في كتاب " الداء و الدواء " (ص 353 - 354):
أما حديث ابن الماجشون عن عبد العزيز بن أبي حازم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن
ابن عباس مرفوعا , فكذب على ابن الماجشون , فإنه لم يحدث بهذا , و لا حدث به
عنه الزبير ابن بكار , و إنما هذا من تركيب بعض الوضاعين , و يا سبحان الله كيف
يحتمل هذا الإسناد مثل هذا المتن فقبح الله الوضاعين.
و قد ذكره أبو الفرج بن الجوزي من حديث محمد بن جعفر بن سهل: حدثنا يعقوب بن
عيسى من ولد عبد الرحمن بن عوف عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرفوعا , و هذا غلط
قبيح فإن محمد بن جعفر هذا هو الخرائطي , و وفاته سنة سبع و عشرين و ثلاث مئة ,
فمحال أن يدرك شيخه يعقوب , ابن أبي نجيح و لا سيما و قد رواه في كتابه "
الاعتلال " عن يعقوب هذا عن الزبير عن عبد الملك عن عبد العزيز عن ابن أبي نجيح
, و الخرائطي هذا مشهور بالضعف في الرواية , ذكره أبو الفرج في كتاب " الضعفاء
".
قلت: أما الخرائطي فلا أعرف أحدا من المتقدمين رماه بشيء من الضعف و لهذا لم
يورده الذهبي في " ميزان الاعتدال " , و لا استدركه عليه الحافظ ابن حجر في
" لسان الميزان " , و قد ترجمه الخطيب في تاريخه (2/ 139 - 140) ثم السمعاني
في " الأنساب " ثم ابن الأثير في " اللباب " فلم يجرحه أحد منهم , بل ترجمه
الحافظ ابن عساكر في تاريخه (15/ 93 / 1 - 2) و روى عن أبي نصر ابن ماكولا
أنه قال فيه: كان من الأعيان الثقات.
فأنا في شك كبير من صحة ما ذكره أبو الفرج من ضعف الخرائطي , بل هو ثقة حجة.
والله أعلم.
ثم طبع كتاب " الضعفاء " لابن الجوزي فلم أجد فيه محمد بن جعفر الخرائطي و إنما
ذكر آخرين (3/ 46 ـ 47) ليسا من طبقة الخرائطي و هما من رجال ابن أبي حاتم (
3/ 2 / 222/ 1224 و 1226) فتبين أن الوهم من ابن القيم و الله أعلم. فلعل
علة هذا الإسناد من يعقوب بن عيسى شيخ الخرائطي , فإنى لم أجد له ترجمة , و من
طبقته يعقوب بن عيسى بن ماهان أبو يوسف المؤدب ترجمه الخطيب (14/ 271 - 272)
و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا , و لكنه لم يذكر أنه من ولد عبد الرحمن بن عوف
, و الله أعلم , و هو من شيوخ أحمد في المسند قال الحافظ في " التعجيل " قال
أبو زرعة ابن شيخنا لا أعرفه , و ذكره ابن حبان في " الثقات " (9/ 286) لكن
وقع فيه يعقوب بن يوسف بن ماهان ثم وجدت الحافظ ابن حجر قد تكلم على الحديث في
" التلخيص الحبير " (5/ 273)
و أعله من الطريق الأولى بنحو ما نقلناه عن " الخلاصة " و أعل الطريق الثانية
من رواية يعقوب عن ابن أبي نجيح بأن يعقوب ضعفه أحمد بن حنبل , ثم قال:
و رواه الخطيب من طريق الزبير بن بكار , و هذه الطريق غلط فيها بعض الرواة
فأدخل إسنادا في إسناد , و خلاصة القول: إن هذا الطريق ضعيف أيضا لضعف يعقوب
هذا و اضطرابه في روايته فمرة يقول: عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مرفوعا , فيرسله
و لا يذكر الواسطة بينه و بين ابن أبي نجيح , و مرة يقول عن الزبير عن
عبد الملك عن عبد العزيز عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس فيسنده و يوصله
.
قال ابن القيم: و كلام حفاظ الإسلام في إنكار هذا الحديث هو الميزان و إليهم
يرجع في هذا الشأن , و لم يصححه و لم يحسنه أحد يعول في علم الحديث عليه , و
يرجع في التصحيح إليه , و لا من عادته التسامح و التساهل , فإنه لم يصف نفسه له
¥