". الرابعة: يرويه عيينة بن عبد الرحمن: حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص
قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف , جعل يعرض لي شيء
في صلاتي , حتى ما أدري ما أصلي! فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم , فقال: " ابن العاص ? ". قلت: نعم يا رسول الله! قال: " ما جاء
بك ? ". قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي! قال
: " ذاك الشيطان , ادنه ". فدنوت منه , فجلست على صدور قدمي , قال: فضرب صدري
بيده , و تفل في فمي و قال: " اخرج عدو الله! ". ففعل ذلك ثلاث مرات , ثم
قال: " الحق بعملك ". أخرجه ابن ماجه (3548) و الروياني في " مسنده " (ق
148/ 1 - 2) كلاهما بإسناد واحد عنه. و هو إسناد صحيح. و في الحديث دلالة
صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان و يدخل فيه و لو كان مؤمنا صالحا , و في
ذلك أحاديث كثيرة , و قد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم (485) من حديث يعلى
بن مرة قال: " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا ..
" و فيه: " و أتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين , يأخذه كل
يوم مرتين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدنيه " , فأدنته منه ,
فتفل في فيه , و قال: اخرج عدو الله! أنا رسول الله ". رواه الحاكم و صححه.
و وافقه الذهبي , و هو منقطع. ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى , جود المنذري
أحدها! ثم ختمت التخريج بقولي: " و بالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد .
و الله أعلم ". ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان
(طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان ")! لمؤلفه (أبو عبد الرحمن إيهاب
بن حسين الأثري) - كذا الأثري موضة العصر! - و هذا العنوان وحده يغني القارئ
اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل و الضلال , و الانحراف عن الكتاب
و السنة , باسم الكتاب و السنة و وجوب الرجوع إليهما , فقد عقد فصلا في ذلك , و
فصلا آخر في البدعة و ذمها و أنها على عمومها , بحيث يظن من لم يتتبع كلامه و
ما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري - كما
انتسب - مائة في المائة! و الواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل
الأهواء , يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة و الأحاديث , إلى ضعف شديد باللغة
العربية و آدابها , حتى كأنه شبه عامي , و مع ذلك فهو مغرور بعلمه , معجب بنفسه
, لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد و ابن تيمية
و ابن القيم , و الطبري و ابن كثير و القرطبي , و الإمام الشوكاني و صديق حسن
خان القنوجي , و يرميهم بالتقليد! على قاعدة (رمتني بدائها و انسلت) , الأمر
الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله
عليه وسلم: " و ينطق فيها الرويبضة. قيل: و ما الرويبضة ? قال: الرجل
التافه يتكلم في أمر العامة " . و نحوه قول عمر رضي الله عنه: " فساد
الدين إذا جاء العلم من الصغير , استعصى عليه الكبير , و صلاح الناس إذا جاء
العلم من قبل الكبير , تابعه عليه الصغير " . و ما أكثر هؤلاء (الصغار)
الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ , و ما العهد عنا ببعيد ذاك المصري
الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة! و ثالث أردني ألف في تضعيف قوله
صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين " , و في حديث
تحريم المعازف , المجمع على صحتهما عند المحدثين , و غيرهم و غيرهم كثير و كثير
!! و إن من جهل هذا (الأثري) المزعوم و غباوته أنه رغم تقريره (ص 71 و 138)
أن: " منهج أهل السنة و الجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم , و أنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا , أو
أن ينقص ما ثبت بالدليل , أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه , أو بلا دليل ".
أقول: إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج , فإنه لم يقف في هذه المسألة
الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح. بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان ,
و كنت أظن أنه على جهل به , حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره (ص 4) من الملحق
¥