ما أعلم يرويه غير الحسن بن عطية.
و كذا قال الخطيب في " تاريخه " و من قبله الحاكم كما نقله عنه ابن المحب و من
خطه على هامش " الفوائد " نقلت، و في ذلك نظر فقد أخرجه العقيلي في " الضعفاء
" (196) عن حماد بن خالد الخياط قال: حدثنا طريف بن سليمان به، و قال:
و لا يحفظ " و لو بالصين " إلا عن أبي عاتكة، و هو متروك الحديث و " فريضة على
كل مسلم " الرواية فيها لين أيضا متقاربة في الضعف.
فآفة الحديث أبو عاتكة هذا و هو متفق على تضعيفه، بل ضعفه جدا العقيلي كما
رأيت و البخاري بقوله: منكر الحديث، و النسائي: ليس بثقة، و قال أبو حاتم:
ذاهب الحديث، كما رواه ابنه عنه (2/ 1 / 494) و ذكره السليماني فيمن عرف
بوضع الحديث، و ذكر ابن قدامة في " المنتخب " (10/ 199 / 1) عن الدوري أنه
قال: و سألت يحيى بن معين عن أبي عاتكة هذا فلم يعرفه، و عن المروزي أن
أبا عبد الله يعني الإمام أحمد ذكر له هذا الحديث؟ فأنكره إنكارا شديدا.
قلت: و قد أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (1/ 215) و قال: قال ابن
حبان: باطل لا أصل له، و أقره السخاوي في " المقاصد " (ص 63)، أما السيوطي
فتعقبه في " اللآليء " (1/ 193) بما حاصله: أن له طريقين آخرين:
أحدهما من رواية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم العسقلاني بسنده عن الزهري عن أنس
مرفوعا به، رواه ابن عبد البر، و يعقوب هذا قال الذهبي: كذاب، ثم ذكر أنه
روى بإسناد صحيح، من حفظ على أمتي أربعين حديثا و هذا باطل.
و الآخر: من طريق أحمد بن عبد الله الجويباري بسنده عن أبي هريرة مرفوعا،
الشطر الأول منه فقط، قال السيوطي: و الجويباري وضاع.
قلت: فتبين أن تعقبه لابن الجوزي ليس بشيء!
و قال في " التعقبات على الموضوعات " (ص 4):
" أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " من طريق أبي عاتكة و قال: متن مشهور
و إسناد ضعيف، و أبو عاتكة من رجال الترمذي و لم يجرح بكذب و لا تهمة، و قد
وجدت له متابعا عن أنس، أخرجه أبو يعلى و ابن عبد البر في " العلم " من طريق
كثير بن شنظير عن ابن سيرين عن أنس، و أخرجه ابن عبد البر أيضا من طريق عبيد
ابن محمد الفريابي عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس.
و نصفه الثاني، أخرجه ابن ماجه، و له طريق كثيرة عن أنس يصل مجموعها إلى
مرتبة الحسن، قاله الحافظ المزي، و أورده البيهقي في " الشعب " من أربع طرق
عن أنس، و من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
و لنا عليه تعقبات:
أولا: لينظر فيما نقله عن البيهقي هل يعني النصف الأول من الحديث أعني
" اطلبوا العلم و لو بالصين " أم النصف الثاني فإن هذا هو المشهور و فيه أورد
السخاوي قول البيهقي المذكور لا في النصف الأول و عليه يدل كلامه في " المدخل "
(242 ـ 243) ثم تأكدت من ذلك بعد طبع " الشعب " (2/ 254 ـ 255).
ثانيا: قوله: إن أبا عاتكة لم يجرح بكذب يخالف ما سبق عن السليماني، بل
و عن النسائي إذ قال " ليس بثقة " لأنه يتضمن تجريحه بذلك كما لا يخفى.
ثالثا: رجعت إلى رواية كثير بن شنظير هذه في " جامع ابن عبد البر " (ص 9)
فلم أجد فيها النصف الأول من الحديث، و إنما هي بالنصف الثاني فقط مثل رواية
ابن ماجه، و أظن أن رواية أبي يعلى مثلها ليس فيها النصف الأول، إذ لو كان
كما ذكر السيوطي لأوردها الهيثمي في " المجمع " و لم يفعل.
رابعا: رواية الزهري عن أنس عند ابن عبد البر فيها عبيد بن محمد الفريابي و لم
أعرفه، و قد أشار إلى جهالته السيوطي بنقله السند مبتدءا به، و لكنه أوهم
بذلك أن الطريق إليه سالم، و ليس كذلك بل فيه ذاك الكذاب كما سبق!
ثم وجدت ترجمة الفريابي هذا عند ابن أبي حاتم (2/ 2 / 335) بسماع أبيه منه.
و ذكره ابن حبان في " الثقات " (8/ 406) و قال: مستقيم الحديث فالآفة من
يعقوب.
خامسا: قوله: و له طرق كثيرة ... يعني بذلك النصف الثاني من الحديث كما هو
ظاهر من كلامه، و قد فهم منه المناوي أنه عنى الحديث كله! فقد قال في شرحه
إياه بعد أن نقل إبطال ابن حبان إياه و حكم ابن الجوزي بوضعه:
و نوزع بقول المزي: له طرق ربما يصل بمجموعها إلى الحسن: و يقول الذهبي في "
تلخيص الواهيات ": روى من عدة طرق واهية و بعضها صالح.
و هذا وهم من المناوي رحمه الله فإنما عنى المزي رحمه الله النصف الثاني كما
هو ظاهر كلام السيوطي المتقدم، و هو الذي عناه الذهبي فيما نقله المناوي عن
" التلخيص "، لا شك في ذلك و لا ريب.
و خلاصة القول: إن هذا الحديث بشطره الأول، الحق فيه ما قاله ابن حبان و ابن
الجوزي، إذ ليس له طريق يصلح للاعتضاد به.
و أما الشطر الثاني فيحتمل أن يرتقي إلى درجة الحسن كما قال المزي، فإن له
طرقا كثيرة جدا عن أنس، و قد جمعت أنا منها حتى الآن ثمانية طرق، و روى عن
جماعة من الصحابة غير أنس منهم ابن عمر و أبو سعيد و ابن عباس و ابن مسعود
و علي، و أنا في صدد جمع بقية طرقه لدراستها و النظر فيها حتى أتمكن من الحكم
عليه بما يستحق من صحة أو حسن أو ضعف.
ثم درستها و أوصلتها إلى نحو العشرين في " تخريج مشكلة الفقر " (48 ـ 62)
---
(يتبع ان شاء الله)
¥