وعلى هذا فالعمل به جائز إن ثبت مشروعية العمل الذي فيه بغيره مما تقوم به الحجة، ولكني أعتقد أن جمهور القائلين بهذا القول لا يريدون منه هذا المعنى مع وضوحه؛ لأننا نراهم يعملون بأحاديث ضعيفة لم يثبت ما تضمنته من العمل في غيره من الأحاديث الثابتة مثل استحباب النوويِّ، وتبعه المؤلف (يعني: الشيخَ سيد سابق ـ رحمه اللَّه ـ) إجابة المقيم في كلمتي الإقامة بقوله:
((أقامها اللَّهُ وأدامَها)) مع أنَّ الحديثَ الواردَ في ذلك ضعيفٌ .. فهذا قولٌ لم يثبت مشروعيته في غير هذا الحديث الضعيف، ومع ذلك فقد استحبوا ذلك مع أن الاستحباب حكم من الأحكام الخمسة التي لا بد لإثباتها من دليل تقوم به الحجة وكم هناك من أمور عديدة شرعوها للناس واستحبوها لهم إنما شرعوها بأحاديث ضعيفة لا أصل لما تضمنته من العمل في السنة الصحيحة ولا يتسع المقام لضرب الأمثلة على ذلك وحسبنا ما ذكرته من هذا المثال وفي الكتاب أمثلة كثيرة سيأتي التنبيه عليها في مواطنها إن شاء الله على أن المهم ههنا أن يعلم المخالفون أن العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ليس على إطلاقه عند القائلين به فقد قال الحافظ ابنُ حجر في ((تبيين العجب)) (ص 3 - 4):
((اشتهر أنَّ أهلَ العلمِ يتساهلون في إيراد الأحاديثِ في الفضائلِ وإن كان فيها ضعفٌ ما لم تكن موضوعة، وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديثَ ضعيفاً، وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيفٍ؛ فيُشرِّع ما ليس بشرعٍ، أو يراه بعضُ الجُهَّالِ فيظنُّ أنَّه سُنَّةٌ صحيحةٌ، وقد صرَّح بمعنى ذلك الأستاذُ أبو محمَّدِ بنُ عبدِ السَّلاَمِ، وغيرُهُ، وليحذر المرءُ من دخولهِ تحت قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: آمن حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " فكيف بمن عمل به؟ ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع)).
فهذه شروط ثلاثة مهمة لجواز العمل به:
1 - أن لا يكون موضوعاً.
2 - أن يعرفَ العامل به كونَه ضعيفاً.
3 - أن لا يشهرَ العملُ بهِ.
ومن المؤسف أن نرى كثيراً من العلماءِ فضلا عن العامة متساهلين بهذه الشروط فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه، وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره وهل هو يسير أو شديد يمنع العمل، به ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثاً صحيحاً، ولذلك كثرت العبادات التي لا تصحُّ بين المسلمين وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد الثابتة.
ثم إنَّ هذه الشروطَ تُرَجِحُّ ما ذهبنا إليه: من أنَّ الجمهورَ لا يريد المعنى الذي رجحناه آنفا لأن هذا لا يشترط فيه شيء من هذه الشروط كما لا يخفى
ويبدو لي أن الحافظ ـ رحمه اللَّه ـ يميل إلى عدم جواز العمل بالضعيف بالمعنى المرجوح لقوله فيما تقدم: ((. . ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع)).
وهذا حق لأن الحديث الضعيف الذي لا يوجد ما يعضده يحتمل أن يكون كذبا بل هو على الغالب كذب موضوع وقد جزم بذلك بعض العلماء فهو ممن يشمله قوله ((- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)): ((. . يُرَى أنَّه كذبٌ)) أي يظهر أنه كذلك
ولذلك عقَّبه الحافظُ بقوله: ((فكيف بمن عمل به؟))، ويؤيد هذا ما سبق نقله عن ابن حبان في القاعدة الحادية عشرة:
((فكلُّّ شاكٍّ فيما يروي أنَّه صحيحٌ أو غيرُ صحيحٍ، داخلٌ في الخبرِ)).
فنقول كما قال الحافظ: ((فكيف بمن عمل به. .؟))
فهذا توضيحُ مرادِ الحافظِ بقوله المذكور، وأما حمله على أنه أراد الحديث الموضوع وأنه هو الذي لا فرق في العمل به في الأحكام أو الفضائل كما فعل بعض مشايخ حلب المعاصرين فبعيد جدا عن سياق كلام الحافظ إذ هو في الحديث الضعيف لا الموضوع كما لا يخفى ولا ينافي ما ذكرنا أن الحافظ ذكر الشروط للعمل بالضعيف كما ظن ذلك الشيخ لأننا نقول: إنما ذكرها الحافظ لأولئك الذين ذكر عنهم أنهم ثم إن هذه الشروط ترجح ما ذهبنا إليه من أن الجمهور لا يريد المعنى الذي رجحناه آنفا لأن هذا لا يشترط فيه شيء من هذه الشروط كما لا يخفى.
¥