أخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه " إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي كان النقف والنقاف إلى يوم القيامة " انتهى , و " النقف " ظهر لي أنه بفتح النون وسكون القاف وهو كسر الهامة عن الدماغ , والنقاف بوزن فعال مثله وكني بذلك عن القتل والقتال , ويؤيده قوله في بعض طرق جابر بن سمرة " ثم يكون الهرج " وأما صاحب النهاية فضبطه بالثاء المثلثة بدل النون وفسره بالجد الشديد في الخصام , ولم أر في اللغة تفسيره بذلك بل معناه " الفطنة والحذق " ونحو ذلك وفي قوله " من بني كعب بن لؤي " إشارة إلى كونهم من قريش , لأن لؤيا هو ابن غالب بن فهر وفيهم جماع قريش , وقد يؤخذ منه أن غيرهم يكون من غير قريش , فتكون فيه إشارة إلى القحطاني المقدم ذكره في " كتاب الفتن " قال: وأما الوجه الثاني فقال أبو الحسين بن المنادي: في الجزء الذي جمعه في المهدي يحتمل في معنى حديث " يكون اثنا عشر خليفة " أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان فقد وجدت في " كتاب دانيال " إذا مات المهدي ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر , ثم خمسة من ولد السبط الأصغر ; ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر , ثم يملك بعده ولده فيتم بذلك اثنا عشر ملكا ; كل واحد منهم إمام مهدي , قال ابن المنادي وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس " المهدي اسمه محمد بن عبد الله وهو رجل ربعة مشرب بحمرة يفرج الله به عن هذه الأمة كل كرب , ويصرف بعدله كل جور , ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا , ستة من ولد الحسن , وخمسة من ولد الحسين , وآخر من غيرهم ; ثم يموت فيفسد الزمان " وعن كعب الأحبار " يكون اثنا عشر مهديا , ثم ينزل روح الله , فيقتل الدجال " قال: والوجه الثالث أن المراد وجود اثنى عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى يوم القيامة يعملون بالحق وإن لم تتوال أيامهم , ويؤيده ما أخرجه مسدد في مسنده الكبير من طريق أبي بحر , أن أبا الجلد حدثه " أنه لا تهلك هذه الأمة حتى يكون منها اثنا عشر خليفة كلهم يعمل بالهدى ودين الحق , منهم رجلان من أهل بيت محمد , يعيش أحدهما أربعين سنة , والآخر ثلاثين سنة " وعلى هذا فالمراد بقوله " ثم يكون الهرج " أي الفتن المؤذنة بقيام الساعة , من خروج الدجال ثم يأجوج ومأجوج , إلى أن تنقضي الدنيا. انتهى كلام ابن الجوزي ملخصا بزيادات يسيرة. والوجهان الأول والآخر قد اشتمل عليهما كلام القاضي عياض , فكأنه ما وقف عليه بدليل أن في كلامه زيادة لم يشتمل عليها كلامه , وينتظم من مجموع ما ذكراه أوجه , أرجحها الثالث من أوجه القاضي لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة " كلهم يجتمع عليه الناس " وإيضاح ذلك أن المراد بالاجتماع انقيادهم لبيعته , والذي وقع أن الناس اجتمعوا على أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين , فسمي معاوية يومئذ بالخلافة , ثم اجتمع الناس على معاوية عند صلح الحسن , ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك , ثم لما مات يزيد وقع الاختلاف إلى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير , ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام , وتخلل بين سليمان ويزيد عمر بن عبد العزيز , فهؤلاء سبعة بعد الخلفاء الراشدين , والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك اجتمع الناس عليه لما مات عمه هشام , فولي نحو أربع سنين ثم قاموا عليه فقتلوه , وانتشرت الفتن وتغيرت الأحوال من يومئذ ولم يتفق أن يجتمع الناس على خليفة بعد ذلك , لأن يزيد بن الوليد الذي قام على ابن عمه الوليد بن يزيد لم تطل مدته بل ثار عليه قبل أن يموت ابن عم أبيه مروان بن محمد بن مروان " ولما مات يزيد ولي أخوه إبراهيم فغلبه مروان , ثم ثار على مروان بنو العباس إلى أن قتل , ثم كان أول خلفاء بني العباس أبو العباس السفاح , ولم تطل مدته مع كثرة من ثار عليه , ثم ولي أخوه المنصور فطالت مدته , لكن خرج عنهم المغرب الأقصى باستيلاء المروانيين على الأندلس , واستمرت في أيديهم متغلبين عليها إلى أن تسموا بالخلافة بعد ذلك , وانفرط الأمر في جميع أقطار الأرض إلى أن لم يبق من الخلافة إلا الاسم في بعض البلاد , بعد أن كانوا في أيام بني عبد الملك بن مروان يخطب للخليفة في
¥