الأول: الحديث في النهي عن بيع شيء في الذمة، وليس النهي عن بيع شيء معين، يملكه زيد أو عمرو، فلم يكن حكيم بن حزام رضي الله عنه يبيع شيئاً معيناً يملكه غيره، ولا كان الذي يأتيه يقول: أريد سلعة فلان، وإنما كان الذي يأتيه يقول: أريد طعام كذا وكذا، ثم يذهب فيحصله من غيره.
الثاني: أنه يبيعه حالاً، وليس مؤجلاً، فإنه قال: أبيعه، ثم أذهب فأبتاعه، فقال له: لا تبع ما ليس عندك، فلو كان السلم الحال لا يجوز مطلقاً، لقال له: لا تبع هذا، سواء كان عنده أو ليس عنده، فلما قال: لا تبع ما ليس عندك، كان هذا دليلاً على جواز السلم الحال إذا كان عنده، وكان الحديث دليلاً على اشتراط وجود المسلم فيه مملوكا له وقت العقد، فهو نهي عن السلم الحال إذا لم يكن عند المستسلف ما باعه، فيلزم ذمته بشيء حال، ويربح فيه، وليس هو قادراً على إعطائه. انظر كلام ابن تيمية في تفسير آيات أشكلت (2/ 691).
وكلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يصح توجيهه لو كان حديث حكيم بن حزام محفوظاً باللفظ الذي استشهد به ابن تيمية رحمه الله، وإذا كان المحفوظ في حديث حكيم - كما بينته عند تخريج الحديث - إنما هو بالنهى عن بيع الطعام حتى يستوفى لم يكن فيه دليل على اشتراط وجود المسلم فيه مملوكاً عند البائع، وإنما النهي عن بيع ما ليس عندك ثبت من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وليس فيه القصة التي ذكرها حكيم، وهو مطلق، ويمكن حمله على النهي عن بيع شيء معين، لا يملكه كما حمله الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
وأما قول شيخ الإسلام «فيربح فيه، وليس هو قادراً على إعطائه».
فيقال: الشافعية يشترطون أن لا يسلم في شيء حال إلا إذا كان يغلب على ظنه وجوده، وما غلب على الظن وجوده كان قادراً على تسليمه،
ولذلك أجاز بعض الفقهاء السلم في الخبز واللحم يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة، إذا غلب على الظن وجوده عنده، وهذا يمكن إلحاقه بالسلم الحال؛ لأنه يمكن له أن يشرع في قبض الحصة الأولى مع العقد.
وأما قول الشيخ رحمه الله «فيربح فيه وليس هو قادراً على إعطائه» أما الربح فيه فليس منهياً عنه ما دام مضموناً عليه؛ لأن المحذور أن يربح فيما لم يضمن، كما لو باعه شيئاً معيناً لم يدخل ملكه، فيربح فيه قبل أن يدخل في ضمانه، وأما السلم الحال والمؤجل فهو بيع شيء موصوف في ذمته، مضموناً عليه، فلا حرج في الربح فيه.
وأما قول الشيخ: «وليس هو قادراً على إعطائه»
إن كان المقصود ليس قادراً على إعطائه في مجلس العقد فمسلم، وهذا لا يمنع صحة السلم؛ لأن حلول السلم لا يعني وجوب التقابض في مجلس العقد، كما لو باعه عيناً معينة غائبة موصوفة، فإن البيع يعتبر حالاً، ويعطى من الوقت ما يمكنه من إحضار السلعة، وإن كان المقصود ليس قادراً على إعطائه مطلقاً فغير مسلم؛ لأننا نشترط في السلم الحال أن تكون السلعة موجودة في السوق، فلا يسلم حالاً في وقت الصيف في فاكهة لا توجد إلا في الشتاء أو العكس، والقدرة على تسليم شيء موجود في السوق أمكن وأظهر من القدرة على تسليم شيء لم يخلق بعد كما في السلم المؤجل المجمع على جوازه.
الدليل الثاني لابن تيمية:
ذكر رحمه الله بأن السلعة إذا لم تكن عنده، فقد يحصل عليها، وقد لا يحصل عليها، وهذا نوع من الغرر، وإن حصله، فقد يحصله بثمن أعلى مما تسلفه، فيندم، وقد يحصله بسعر أرخص من ذلك، فيندم المسلف؛ لأنه كان يمكنه أن يشتريه هو بذلك الرخص، فصار هذا من نوع الميسر والقمار والمخاطرة، كبيع العبد الآبق، والبعير الشارد،، يباع بدون ثمنه، فإن حصل ندم البائع، وإن لم يحصل ندم المشتري.
المناقشة:
قول ابن تيمية رحمه الله: السلعة إذا لم تكن عنده فقد يحصل عليها، وقد لا يحصل عليها، وهذا نوع من الغرر:
يقال: هذا الغرر موجود في السلم المؤجل من باب أولى، فإن البائع قد يحصل على المبيع وقد لا يحصل عليه، والتأجيل: ليس مظنة الحصول عليه، لأنه في حال السلم المعجل قد يتصل البائع بالمورد، ويسأله عن وجود البضاعة، ويتأكد من وجودها قبل دخوله في الصفقة، بخلاف المؤجل فإنه غيب لا يعلمه إلا الله، وعلى كل حال نحن نشترط لصحة السلم الحال أن تكون البضاعة موجودة، وفرق بين اشتراط وجود البضاعة في السوق، وبين اشتراط وجودها في ملكه.
¥