وأما قول الشيخ: بأنه قد يحصل عليها بثمن أقل، فيندم المشتري إذ كان يمكنه تحصيل السلعة من المصدر، وقد يحصل عليها بثمن أكثر من قيمتها، فيندم البائع، فيكون هذا كبيع العبد الآبق، والجمل الشارد.
فيقال: قد يكون كلام الشيخ رحمه الله مناسباً للعصر الذي كان فيه، أما اليوم فقد يحرص المشتري أن يحصل على البضاعة من خلال التاجر، ولا يرغب في الحصول عليها من خلال الموزع، وذلك ليستعين بخبرة التاجر من خلال معرفته للسلع الجيدة من السلع المقلدة، فهو يعرف السلع جيداً والفروق بينها، ومدى جودة كل سلعة، وملاءمتها للظروف، كما يرغب المشتري أن يكون الضامن للسلعة رجل معروف في السوق يستطيع أن يرجع إليه إذا تبين وجود عيب أو خلل، أو قامت حاجة إلى قطع غيار ونحوه، كما أن في الناس من لا يعرف قيمة الأشياء، فيستعين بمن يعرفها، فالتاجر يستطيع أن يشتري البضاعة بأقل سعر ممكن مما لو اشتراها الرجل العادي، فيطيب المشتري نفساً أن يدفع ربحاً معلوماً فوق الثمن الذي دفعه البائع، ومع كل هذا فإن العرف التجاري اليوم، أن المنتج إذا باع بضاعته على الباعة أعطاهم إياها بسعر الجملة، وإذا باع على الأفراد كان لها سعر آخر، وهو سعر الاستهلاك، فلو رجع المستهلك إلى المصدر وجد تطابقاً بالسعر بين البائع والمنتج أو الموزع، وهذا عرف يحترمه التجار بينهم، لينتفع أهل السوق من جهة، ويكون سعر البضاعة موحداً من جهة أخرى.
المشاركة القادمة:
انتظروا المشاركة الرابعة
للمراسلة) [email protected] ([email protected])(
([1]) مسند أبي داود الطيالسي (1318)، ومن طريق أبي داود الطيالسي أخرجه الخطيب البغدادي في تالي تلخيص المتشابه (320).
([2]) سيأتي العزو إليهم إن شاء الله تعالى في ثنايا التخريج.
([3]) مسند أبي داود الطيالسي (2257)
([4]) انظر في مذهب الحنفية: الحجة (2/ 614)، بدائع الصنائع (5/ 212)، عمدة القاري (12/ 63)، البحر الرائق (6/ 174)، درر الحكام شرح غرر الأحكام (2/ 195)، أصول السرخسي (2/ 152).
وفي مذهب المالكية: جاء في المدونة (4/ 30): «قال مالك: كل من اشترى طعاماً، أو غير ذلك، إذا لم يكن بعينه، فنقد رأس المال، أو لم ينقد، فلا خير فيه طعاماً كان ذلك، أو سلعة من السلع، إذا لم تكن بعينها، إذا كان أجل ذلك قريباً يوماً، أو يومين، أو ثلاثة أيام, فلا خير فيه، إذا كانت عليه مضمونة؛ لأن هذا الأجل ليس من آجال السلم, ورآه مالك من المخاطرة، وقال: ليس هذا من آجال البيوع في السلم، إلا أن يكون إلى أجل تختلف فيه الأسواق تنقص وترتفع, فإن كانت سلعة بعينها، وكان موضعها قريباً اليوم واليومين، ونحو ذلك طعاماً كان، أو غيره فلا بأس بالنقد فيه، وإن تباعد ذلك فلا خير فيه في أن ينقده».
وانظر الذخيرة للقرافي (5/ 251)، وقال في الفروق (3/ 289): " السلم الجائز ما اجتمع فيه أربعة عشر شرطاً، فذكرها، وقال:
التاسع: أن يكون مؤجلاً، فيمتنع السلم الحال. اهـ
وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (3/ 379 - 381)، شرح الزرقاني على موطأ مالك (3/ 414)، المنتقى للباجي (4/ 297).
هذا هو المشهور من مذهب مالك، أن السلم لا يجوز حالاً، وقد خرج بعضهم من بعض الروايات عنه جواز السلم الحال.
جاء في الذخيرة (5/ 253): «روى ابن عبد الحكم: السلم إلى يوم، فقيل: هي رواية في السلم الحال، وقيل: بالمذهب لا يختلف في منعه، وإنما هذا خلاف في مقداره».
وفي المنتقى للباجي (4/ 297): «روى ابن عبد الحكم وابن وهب عن مالك: يجوز أن يسلم إلى يومين أو ثلاثة.
وزاد ابن عبد الحكم: أو يوم.
قال القاضي أبو محمد: واختلف أصحابنا في تخريج ذلك على المذهب: فمنهم من قال: إن ذلك رواية في جواز السلم الحال، وبه قال الشافعي.
ومنهم من قال: إن الأجل شرط في السلم قولاً واحداً، وإنما تختلف الرواية عنه في مقدار الأجل .. ».
وفي مذهب الحنابلة انظر: المغني (4/ 193)، الإنصاف (5/ 98)،
([5]) الأم (3/ 95)، شرح النووي على صحيح مسلم (11/ 41)، معرفة السنن والآثار (4/ 405)، روضة الطالبين (4/ 7)، كفاية الأخيار (2/ 248)، مغني المحتاج (2/ 105).
([6]) قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 393): «ويصح السلم حالاً إن كان المسلم فيه موجوداً في ملكه وإلا فلا ... ». وانظر الإنصاف (5/ 98)، تفسير آيات أشكلت (2/ 694).
¥