قلت: كل هذه الخلافات مدارها يرجع إلى عبد الرحمن بن خالد بن مسافر وهو (صدوق)، فشذ وسلك طريق الجادة، (الزهري عن عروة عن عائشة)، فتترجح غير الجادة وهي رواية معمر بن راشد السالفة (الزهري عن عروة عن أم حبيبة).
وثَمَّ خلاف آخر عن الزهري:
أخرجه الحاكم في (المستدرك) [4/ 6768، 6804] ومن طريقه البيهقي في (الكبير) [7/ 71] ومن طريق البيهقي أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [3/ 181] عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا عبد الله بن أسامة الحلبي ثنا حجاج بن أبي منيع عن جده عن الزهري مرسلاً قال: ((فتزوج رسول الله e أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي - أسد خزيمة - فمات عنها بأرض الحبشة وكان خرج بها من مكة مهاجراً ثم افتتن وتنصر فمات وهو نصراني وأثبت الله الإسلام لأم حبيبة والهجرة ثم تنصر زوجها ومات وهو نصراني وأبت أم حبيبة بنت أبي سفيان أن تتنصر، وأتم الله تعالى لها الإسلام والهجرة، حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله e فزوجها إياه عثمان بن عفان قال الزهري: ((وقد زعموا أن النبي e كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه أربعين أوقية)).
قلت: وهذا الزعم هو الصحيح، كما تقدم في رواية معمر عن الزهري الصحيحة، أما مخالفة أبي منيع وهو عبيد الله بن أبي زياد الرصافي لمعمر بن راشد في الزهري فهي مخالفة شاذة على أقل أحوالها إذ لم تكن منكرة، لأن عبيد الله هذا مختلف فيه: قال الذهبي في الميزان: (مجهول مقارب الحديث)؛ وقال الحافظ في تهذيب التهذيب ((قال بن سعد: كان أخا امرأة هشام بن عبد الملك وكان الزهري لما قدم على هشام بالرصافة لزمه عبيد الله بن أبي زياد فسمع علمه وكتبه فسمعها منه ابنه يوسف وابن ابنه الحجاج بن يوسف أبي منيع قال الحجاج: ومات عبيد الله سنة ثمان أو تسع وخمسين ومائة وهو ابن نيف وثمانين سنة، وقال الذهلي في عدل حديث الزهري بعد أن ذكر إسحاق الكلبي وعبيد الله بن أبي زياد من أهل الرصافة: لم أعلم له راوياً غير ابن ابنه أخرج إلي جزءاً من أحاديث الزهري فنظرت فيها فوجدتها صحاحاً فلم أكتب منها إلا يسيراً: قال الذهبي: فهذان رجلان مجهولان من أصحاب الزهري مقاربا الحديث، وعدَّه الدارقطني من ثقات أصحاب الزهري، وذكره ابن حبان في الثقات)).
قلت: فلو ترجحت جهالته وهو المختار عندي، فمخالفته هذه منكرة – كما هو معلوم -، ومن يعتبر توثيق الدارقطني فلا يقوى مثل هذا على مخالفة معمر بن راشد بحال، وهو من أثبت الناس في الزهري كما سلف، فالراجح عن الزهري رواية معمر بن راشد، والحمد لله لم يرد فيها أن عبيد الله بن جحش تنصر وأنه مات عليها، عياذاً بالله.
وثَمَّ خلاف آخر عن الزهري:
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/ 145] من طريق الأحوص بن المفضل نا أبي نا أحمد بن حنبل نا حجاج نا ليث حدثني عقيل عن الزهري مرسلاً قال ((خرج رسول الله e مهاجرا من مكة إلى المدينة فتزوج بالمدينة أم حبيبة بنت أبي سفيان من بني أمية، وكانت قبل رسول الله e عند عبيد الله بن جحش أخي بني أسد فمات عنها وهي بأرض الحبشة خرج بها من مكة مهاجراً في المهاجرين فافتتن وتنصر فمات نصرانياً، وثبت الله لأم حبيبة الإسلام والهجرة))
قلت: الأحوص بن المفضل قال الدارقطني: لا باس به، ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، وضعفه الأزدي، وذكر له الذهبي في الميزان غرائب.
قلت: فمثله (حيث تفرد بهذه الرواية) لا يقوى بحال لمخالفة رواية معمر عن الزهري عن عروة عن أم حبيبة به، فروايته شاذة على أقل أحوالها.
وثّمَّ خلاف عن عروة بن الزبير:
أخرجه الطبراني في (الكبير) [23/ 401] حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني ثنا أبي ثنا بن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير: ((في تسمية من هاجر إلى أرض الحبشة مع جعفر بن أبي طالب من بني أسد بن خزيمة عبيد الله بن جحش بن رئاب مات بأرض الحبشة نصرانياً، ومعه أم حبيبة بنت أبي سفيان واسمها رملة فخلف عليها رسول الله e أنكحه إياها عثمان بن عفان بأرض الحبشة وأم حبيبة أمها صفية بنت أبي العاص أخت عفان بن أبي العاص عمة عثمان بن عفان))
¥