من طريق محمد بن عمر عن إسحاق بن محمد عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه به
قلت:
محمد بن عمر هو الواقدي؛ متروك وكذبه بعضهم.
(8) عن ابن إسحاق قال: ((وكانت أم حبيبة خرجت مع زوجها عبيد الله بن جحش إلى أرض الحبشة فمات بها، وقد كان دخل في النصرانية وترك الإسلام فمات بها مشركاً))
ـــــــــــــــــــــــــ
((حديث ضعيف جداً))
أخرجه ابن عساكر في (تاريخ دمشق) [69/ 141] قال: أخبرنا أبو القاسم أيضا أنا ابن النقور أنا المخلص أنا رضوان بن أحمد نا أحمد نا يونس عن ابن إسحاق قال: ((وكانت أم حبيبة خرجت ......... فذكره)).
قلت: ابن إسحاق هو محمد بن إسحاق صاحب المغازي قال الحافظ: صدوق يدلس؛ ولكن انتقد عليه بعض أهل العلم عدة أمور، ((قال أيوب بن إسحاق بن سامري سألت أحمد: فقلت له يا أبا عبد الله إذا انفرد ابن إسحاق بحديث تقبله؟ قال: لا والله إني رايته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا، وقال أبو داود وسمعت أحمد ذكر محمد بن إسحاق فقال: كان رجلاً يشتهي الحديث فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه؛ وقال المروذي: قال أحمد بن حنبل: كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماع قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال: قال:، وقال أبو عبد الله: قدم ابن إسحاق بغداد فكان لا يبالي عمن يحكي عن الكبي وغيره)) اهـ من التهذيب؛
قلت: ولا يخفى ما في حديثنا من الانقطاع والإرسال.
ثالثاً: الخاتمة
إن المتأمل في الدراسة السابقة يظهر له عدة أمور منها:
1 - أن الصحيح الثابت من الأحاديث السابقة ليس فيه أن عبيد الله بن جحش رضي الله عنه مات على النصرانية؛- عياذاً بالله –.
2 - وأن كل حديث ورد فيه ذكر وفاة عبيد الله بن جحش رضي الله عنه وأنه مات على النصرانية - عياذاً بالله – ما بين موضوع وباطل ومنكر وضعيف جداً.
3 - وأن الذي أخرج الحديث الثابت الصحيح - الذي ليس فيه أن عبيد الله بن جحش رضي الله عنه مات على النصرانية، عياذاً بالله، بل فيه أنه مات في أرض الحبشة مهاجراً -، هم من أصحاب الأمهات الستّ، كأبي داود والنسائي؛ في حين الأحاديث الأخرى عكس ذلك، وإن كانت العبرة في الصحة بأمور أخرى، ولكنها تعدُّ قرينة في موضع الخلاف، وإن قال قائل: قد قال أبو داود عقب إخراجه الحديث: ((عبيد الله بن جحش تنصر ومات نصرانياً وأوصى إلى النبي r بعد ما مات نصرانياً)) فأقول: هذا من قوله رحمه الله، ولكن أين الدليل على ذلك بالسند المتصل الصحيح؟ وقد مرَّ بك كل الروايات وأوقفتك على حالها.
وأضيف أموراً أخرى:
1 - أن الفاصل في مثل هذه الأمور هو علم الحديث حيث يبحث في الأسانيد التي اختصت الأمة بها عن سائر الأمم، وقد سلف دراسة تلك الأسانيد، وتبين عدم ثبوت أي طريق يفيد بموت عبيد الله بن جحش رضي الله عنه على النصرانية.
2 - أن كل من قال: إن عبيد الله بن جحش تنصر ومات نصرانياً أحد رجلين:
أ- اعتمد على هذه الروايات الباطلة، وأصحابها لم يشترطوا الصحة.
ب- أو اعتمد على شهرة هذا الخبر، وتناقل وتداول أئمة أعلام له، وكما هو معروف في علم المصطلح، أن الشهرة لا تعني الصحة، وبحثنا هذا أكبر مثال على ذلك.
3 - أن المتأمل في حديث أُمِّ حَبِيبَةَ رَضْيَ الله عَنْهَا الصحيح وهو ((أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الحَبَشَةَ فَزَوْجَهَا النَّجَاشِي النَّبِيَّ e وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آَلافٍ وَبَعَثَ بِهَا إِلى رَسُولِ اللهِ e مَعَ شَرْحَبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ)) وكل الروايات الأخرى الساقطة، لم يجد أي ذكر للأشياء المترتبة على ردَّة عبيد الله بن جحش، من أمر النبي r لأم حبيبة بمفارقة، أوأن أم حبيبة فارقته.
4 - وأن بعض العلماء يشك في صحة موت عبيد الله بن جحش على النصرانية، كالحافظ ابن حجر حيث قال: ((وهاجرت أم حبيبة وهي بنت أبي سفيان في الهجرة الثانية مع زوجها عبيد الله بن جحش فمات هناك، ويقال: إنه قد تنصر وتزوجها النبي r بعده)) اهـ[الفتح:78190]
فإن قال قائل: إنه جزم بعد ذلك بأنه مات على النصرانية حيث قال في [الفتح 8/ 217] تحت حديث هرقل: ((قوله (قال: هل يرتد الخ) إنما لمستغن هرقل بقوله: (بل يزيدون) عن هذا السؤال لأنه لا ملازمة بين الارتداد والنقص فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلاً، قوله: (سخطة له) يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فأنه يتزلزل بسرعة وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبيد الله بن جحش، فأنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة بزوجته ثم تنصر بالحبشة ومات على نصرانيته، وتزوج النبي r أم حبيبة بعده وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة، وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه، ولذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه، ويحتمل أن يكونوا عرفوه بما وقع له من التنصر وفيه بعد)).
فأقول:
قول الحافظ رحمه الله: (وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة) محمول على ما لو صحت ردَّة ونصرانية عبيد الله، وإلا فلا يجوز الحكم على القلوب والنوايا.!!
وقول الحافظ رحمه الله: (ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم………….) فأقول: بل لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، لا للاحتمالات التي ذكرها الحافظ رحمه الله، ولكن لم يكن ارتدَّ أحد آنذاك، بل المعروف من حال أبي سفيان قبل الإسلام ومن حال أي كافر تربصه وافترائه لتوهين موقف الإسلام ولو على حساب نفسه، فضلاً من أن يكتم أبو سفيان ردّة عبيد الله، وهو يتمنى أن يكذب على النبي r وأصحابه؛ لولا الحياء كما قال هو عن نفسه في حديث هرقل: ((فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه)).
هذا ....
والمتأمل بدقة وعمق قد يصل إلى أمور أخرى يرد بها هذا الافتراء على هذا الصحابي الجليل، رضي الله عنه وأرضاه.
وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وكتب:
أبو العباس بلال بن عبد الغني السالمي الأثري
غفر الله له ولوالديه ومشايخه والمسلمين
آمين، آمين، آمين
آمين، آمين
آمين