(1) وكثير من المبتدئين يكثر من نقل الشبه إلى المواقع العلميَّة، ثم يطالب طلبة العلم بالإجابة عليها، وليس هدفه معرفة الحق، بل نقل الجواب إلى مواقع المبتدعة بحجَّة الرد عليهم، وكلَّما وضعوا شبهة رجع إلى طلبة العلم يطالب بالجواب عنها، فيضيِّعُ وقته في نقل الشبهات ثم نقل الجوواب عنها، ويظن أن هذا هو العلم الحقيقي، وما علم أن إماتة الشبه وأهلها أولى من إشهارها وإشاعتها، وقد قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة الصحيح ((وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الْحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فِي تَصْحِيحِ الْأَسَانِيدِ وَتَسْقِيمِهَا بِقَوْلٍ لَوْ ضَرَبْنَا عَنْ حِكَايَتِهِ وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا لَكَانَ رَأْيًا مَتِينًا وَمَذْهَبًا صَحِيحًا إِذْ الْإِعْرَاضُ عَنْ الْقَوْلِ الْمُطَّرَحِ أَحْرَى لِإِمَاتَتِهِ وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْجُهَّالِ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفْنَا مِنْ شُرُورِ الْعَوَاقِبِ وَاغْتِرَارِ الْجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَإِ الْمُخْطِئِينَ وَالْأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ رَأَيْنَا الْكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ وَرَدَّ مَقَالَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنْ الرَّدِّ أَجْدَى عَلَى الْأَنَامِ وَأَحْمَدَ لِلْعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ))
هذا الكلام يقوله عن من ينتسب للحديث من أهل السُّنَّة، فما بالك بشبه أهل البدع والضَّلال.
(2) وكلام السلف في هَذَا المعنى كثير جدا فمن ذلك ما جاء في السنة لعبد الله بن أحمد:
قال أبو قلابة وكان أدرك غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجالسوا أصحاب الأهواء»، أو قال «أصحاب الخصومات؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون»
ودخل رجلان من أصحاب الأهواء على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر نحدثك بحديث قال: لا، قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله عز وجل، قال: «لا، لتقومان عني أو لأقومن»، قال: فقام الرجلان فخرجا، فقال بعض القوم: يا أبا بكر ما كان عليك أن يقرأ آية من كتاب الله عز وجل، فقال محمد بن سيرين: «إني خشيت أن يقرأا آية علي فيحرفانها فيقر ذلك في قلبي»، فقال محمد: «لو أعلم أني أكون مثل الساعة لتركتهما»
وقال رجل من أهل البدع لأيوب السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة فولى وهو يقول بيده «لا ولا نصف كلمة»
وقال ابن طاوس لابن له وتكلم رجل من أهل البدع: «يا بني أدخل أصبعيك في أذنيك حتى لا تسمع ما يقول»، ثم قال: «اشدد اشدد»
وقال عمر بن عبد العزيز: «من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل»
وقال إبراهيم النخعي: «إن القوم لم يدخر عنهم شيء خبئ لكم لفضل عندكم»
وكان الحسن البصري يقول: «شر داء خالط قلبا يعني الهوى»
وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الله معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم، والله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا، أو قال: مبينا»
وانظر مقدمة سنن الدارمي وغيرها من كتب العقيدة السلفية الَّتِيْ ساق أصحابها الآثار عن السلف في هَذَا الباب، والعجيب أن بعض الأغمار المساكين يظنون فعلهم هَذَا من مجاهدة أهل البدع والذب عن السنة، وكثير منهم لم يتم حفظ كتاب الله تَعَالَى ولم يدرس العقيدة الصحيحة على أهلها لتكون ركيزة ينطلق منها في الذب عن دين الله وسنَّة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(3) من كتاب: كفاية الإنسان من القصائد الغر الحسان، جمع مُحَمَّد بن أحمد سيد، دار ابن القيم، ط1، 1409. (ص 38)، وفي المطبوع " من كل طائفة ومن إنسان ".
(4) كفاية الإنسان (ص 41) وفي المطبوع " زنادقة الجهالة" بدل " زنادقة الروافض"
(5) الطَّبقات (6/ 248)، السُّنَّة للخلاَّل (3/ 496)، وتاريخ واسط لبحشل ص 173.
¥