وأما الإسناد الثاني فمن طريق معمر عن الحسن، وهذا إسناد منقطع فإن معمرًا لم يسمع من الحسن شيئًا كما ثبت بإسناد صحيح في (التاريخ الصغير) () للبخاري عنه أنه قال: " خرجت مع الصبيان إلى جنازة الحسن، فطلبت العلم سنة مات الحسن ". أ. هـ، وقال الإمام أحمد: " لم يسمع من الحسن ولم يره، بينهما رجل ويقال إنه عمرو بن عبيد " (). أ. هـ.، والإسناد الأول - كما سبق - من طريق عمرو بن عبيد فمن الوارد جدًا أن يكون هو الواسطة بين معمر والحسن كما ذكر الإمام أحمد والله أعلم.
وأما الإسناد الثالث فهو من طريق قتادة قال: كان الحسن يقول، وقد ثبت عن شعبة رحمه الله تعالى أنه
قال: (كنت أعرف إذا جاء ما سمع قتادة مما لم يسمع، إذا جاء ما سمع يقول: " حدثنا أنس بن مالك وحدثنا الحسن وحدثنا سعيد وحدثنا مطرف "، وإذا جاء ما لم يسمع يقول: " قال سعيد بن جبير، قال أبو قلابة ") أ. هـ ().
وهنا قال: كان الحسن يقول، ولم يصّرح بالسماع وهذه علة قادحة فإن الإسنادين الأولين ضعيفان مدارهما على هالك هو عمرو بن عبيد - إن كان هو الواسطة بين معمر والحسن - وهنا لا ندري من الواسطة بين قتادة والحسن وقد يكون متلقى عن عمرو بن عبيد. والله أعلم.
الوجه الثاني:
أن تعليل ما رواه مرفوعًا بما روي عن من قوله ليس أولى من تعليل ما روي عنه بما رواه مرفوعًا والإسناد عنه في روايته عن سمرة أصح مما روي عنه من قوله.
الوجه الثالث:
أن الصحيح من أقوال أهل العلم أنه إذا تعارضت رواية المحدث مع رأيه يكون الحكم لروايته، إن صحت ولو عللت الروايات المرفوعة بآراء الرواة لها لرددنا أحاديث كثيرة.
الوجه الرابع:
أن قول الحسن هذا. لو ثبت. فإنه معارض بما ثبت عن سمرة وابن عباس وغيرهم، وبما ثبت عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وهم أعلم منه بالتفسير، بل قد ذكر ابن جرير رحمه الله - كما سبق - أن هذا القول إجماع لأهل الحجة في التأويل.
وأما العلة الرابعة فالجواب عنها من وجهين:
الوجه الأول:
أن يقال: كيف يتفق المفسرون من الصحابة والتابعين والذين يرجع إليهم في تأويل القرآن على هذا التفسير ويروون فيه الأحاديث المرفوعة والموقوفة، ويتناقلونه بينهم، ولا يستنكرونه، وينقضي عصرهم على هذا، ثم يأتي من
بعدهم بقرون من يكتشف أنهم ضالون في هذا التفسير، وأنه في الأصل مأخوذ من الإسرائيليات، وهل هذا إلا قدح في علماء الصحابة والتابعين؟!
الوجه الثاني:
أنه لا يوجد أي دليل يدل على ما ذهب إليه ابن كثير في أنه مأخوذ من الإسرائيليات - لذلك لم يجزم به -، وأما قوله: (وكأنه والله أعلم أصله مأخوذ من أهل الكتاب، فإن ابن عباس رواه عن أُبّيِّ بن كعب) أ. هـ. فأي دليل في هذا؟ فإن أُبّيِّ بن كعب رضي الله عنه من علماء الصحابة ولم يذكر من رواة الإسرائيليات، ولعل ابن كثير رحمه الله تعالى سهى في ذلك وظنه كعب الأحبار فإنه قد قال في تاريخه: () (وهكذا روي موقوفًا على ابن عباس، والظاهر أن هذا متلقى عن كعب الأحبار ودونه والله أعلم) أ. هـ، وفي الجملة فكل هذه ظنون ولا حجة تحتها إلا استنكارهم للمعنى وسوف يأتي الكلام عن ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى.
وأما قول ابن كثير رحمه الله تعالى: () (ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته ولهذا قال الله ? فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ? أ. هـ فلا حجة فيه أيضًا فإن هذا انتقال من أسلوب إلى أسلوب وهو المسمى بالالتفات وهو كثير في القرآن.
الوجه الخامس:
أن قول الذهبي فيه (منكر)، واستنكار غيره له، إنما يعود لاستشكالهم معناه، وهو وقوع آدم عليه السلام في الشرك وهو من الأنبياء، والحقيقة أنه لا إشكال فيه مطلقًا لأمرين:
الأول:
أن هؤلاء الذين استنكروا معناه، وأرادوا تنزيه آدم عليه السلام عن هذا، ليسوا أكثر توقيرًا للأنبياء ولا معرفة لحقوقهم من الصحابة والسلف رضوان الله عليهم، وقد ثبت
هذا عنهم بما لا مجال للشك فيه - لو سلمنا أنه لم يثبت مرفوعًا -، بل ذكر ابن جرير رحمه الله تعالى أن هذا إجماع لأهل التأويل.
الثاني:
¥