وهذه الطريق هي المحفوظة المعروفة عند أهل الحديث،وهي منكرة لاتصح،وقد أورد الذهبي في ميزان الاعتدال 3/ 179 هذا الحديث في آخر ترجمة عمر بن إبراهيم هذا، ثم قال:" صححه الحاكم وهو حديث منكر كما ترى."أهـ
قلت: الذهبي استنكر متن الحديث كما أنه استنكر سنده لتفرد عمر به عن قتادة، دون سائر الحفاظ المكثرين من أصحاب قتادة كسعيد بن أبي عروبة وشعبة والدستوائي وهمام العوذي.
قال الذهبي كما في الموقضة:" وقد يُسَمِّي جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به،مثل هشيم،وحفص بن غياث منكر " إلى أن قال" وأطلقوا النكارة على ما انفرد به ..... وقالوا هذا منكر."
بل لما ذكر أبوداود للإمام أحمد حديث يزيد الدالاني عن قتادة! فقال الإمام:" ماليزيد يدخل على أصحاب قتادة،ولم يعبأ بالحديث."
ثم ليعلم أن استنكار الذهبي وابن كثير وابن حزم - وكذلك ضعفه ابن العربي المالكي والقرطبي – لمتن هذا الحديث هو منهج مستقيم عليه أئمة الشأن،فهذا الإمام البخاري رحمه الله قد أعل حديث "أمتي أمة مرحومة جعل عذابها بأيديها في الدنيا " فقال البخاري في إعلاله ":والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة وأن أقواماً يعذبون ثم يخرجون أكثر وأبين " انظر التاريخ الكبير 1/ 38 - 39،وكذلك فعل الأئمة أحمد ومسلم في آخرين، وليس هذا مكان ذكر الأمثلة.
ومن هذا القبيل إعلال العلامة الأثري محمد بن صالح العثيمين لمتن هذا الحديث بما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم اعتذر بأنه عصى الله فأكل من الشجرة،ولوكان آدم وقع في هذا الشرك - شرك تسمية أو غيره - كما يزعمون لكان اعتذاره وذكره للناس أولى وأحرى لعظم هذ الذنب وشدة جرمه من أكل الشجرة. انظر كلام الشيخ في القول المفيد على كتاب التوحيد 3/ 67.
وأما ما رُوِيَ عن أبي بن كعب موقوفاً عليه، فلا يفرح به ففي سنده سعيد بن بشر الأزدي وقيل النصري الشامي مختلف فيه والأكثر على تضعيفه، ولكن أحاديثه عن قتادة،- ولو كانت في التفسير - قد تكلم فيها العلماء وهذا منها.
قال ابن معين: عنده أحاديث غرائب عن قتادة، وقال الساجي: حدث عن قتادة بمناكير يتكلمون في حفظه، وقال ابن حبان: كان رديء الحفظ فاحش الخطأ،يروي عن قتادة ما لايتابع عليه.
وأما ماجاء عن مجاهد رحمه الله فهو مأخوذ من أهل الكتاب فقد ثبت في طبقات ابن سعد 5/ 467 وانظر سير أعلام النبلاء 4/ 451،أن أبا بكر بن عياش سأل الأعمش،مالهم يتقون تفسير مجاهد فقال:" كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب."أهـ
وهنا فائدة حديثية: أن المعروف عند حفاظ الأمة أن مخالفة الراوي بقوله وفعله لما ينقل عنه من رواية،قرينة قوية على أن الرواية المنقولة عنه فيها نظر، ولهذا فقد أعل الأئمة كأحمد والبخاري ومسلم وأبي حاتم والدارقطني وغيرهم عدة روايات لمخالفة الراوي لما رواه،وإنما يأخذون بما روى لابما رأى إذا صحت الرواية قطعاً.فليتنبه لهذا فقد خلط فيه البعض.
ولهذا فقد أعل العلماء هذه الروايات بما ثبت من قول الحسن البصري رحمه الله كما رواه ابن جرير في تفسيره قال: حدثنا بشر حدثنا يزيد قال حدثنا سعيد عن قتادة قال:كان الحسن يقول: هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً،فهوَّدوا ونصَّروا."أهـ
وهذا سند صحيح وقتادة قد سمع من الحسن وأكثر عنه،ومع ذلك فليس من المشهورين بالتدليس على التحقيق،وإنما المراد في الغالب بإطلاقات الأئمة لتدليس قتادة الإرسال،ولهذا كله لايشترط تصريحه بالسماع وبخاصة عمن أكثر عنه – بل قبله الحاكم كما في علوم الحديث مطلقاً – وأما مقولة شعبة المشهورة في ذلك،فإن تمثيله بسعيد وأبي قلابة دليل لما قلت،وأما ماورد عند ابن ماجه من تصريح قتادة بالتحديث عن أبي قلابة فوهم من النقلة.
وقد جاء عند عبدالرزاق في التفسير 2/ 245 عن معمر عن قتادة:أنهما وقعا في شرك التسمية ولم يشركا في العبادة،ولكن هذه الرواية معلولة قال الدارقطني هو سيء الحفظ لحديث قتادة، وقال يحيى بن معين عن معمر، قال:"جلست إلى قتادة وأنا صغير فلم أحفظ عنه الأسانيد." نقل هذا ابن رجب في شرح العلل
قلت:وأما ما جاء عند البخاري في التاريخ الكبير من قول معمر: أن أحدديث قتاده كأنها نقشت في صدري،فلا يصح لأن في السند محمد بن كثير الصنعاني ضعيف جداً وبخاصة في روايته عن معمر.
وقد جاء بسند صحيح عند ابن جرير في تفسيره إلى معمر أنه قال: قال الحسن:"عني بها ذرية آدم، ومن أشرك منهم بعده."أهـ وكذا في تفسير عبدالرزاق 2/ 245.
وهذه الرواية مردها إلى الأولى، مع أن معمراً لم يسمع من الحسن،إلا أنه قد أخذ ممن أخذ عن الحسن،وهو عالم بأمره لكثرة أخذه عن أصحاب الحسن البصري،ولهذا فقد قبل بعض الأئمة بعض المنقطعات،كالشافعي ويعقوب بن شيبة في آخرين،وقد قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة عن أبيه ولا يعرف إلا عنه:"هو منقطع، وهو حديث ثابت."
ولكن قد يقول قال:لماذا لايكون عمرو بن عبيد المبتدع هو الواسطة بين معمر والحسن وبخاصة أنه قد نقل عن الإمام أحمد!!؟
فأقول: هذا لايقدح في هذه الرواية بعينها لأمرين:
الأول: أنها ثابتة عن الحسن من غير هذا الطريق.
الثاني:لايعرف أنه تلقها عن عمرو بن عبيد إلا في هذه المقولة المنقولة بصيغة التمريض، ومن المعروف عند العلماء النقاد أنه لابد من صحة السند إلى نقل الكلام في الرواة قبولاً ورداً، انظر تهذيب الكمال 1/ 153،ثم أنني لم أجد هذه المقولة عن الإمام أحمد في المسائل المنقولة عنه!!؟ ولكنها في جامع التحصيل في أحكام المراسيل للعلائي ص 283.
فلعل فيها سقطاً فقد جاءت في أحكام المراسيل لابن أبي حاتم ص171،وعند أبي زرعة العراقي في تحفة التحصيل تحقيق عبدالله نوارة ص 311 وفي تحقيق رفعت فوزي ص 510 كلهم بلفظ ابن أبي حاتم:"سمعت أبي يقول:لم يسمع معمر من الحسن شيئاً،ولم يره،بينهما رجل، ويقال أنه عمرو بن عبيد،ذكره عبدالله بن أبي عمر - بشر- البكري الطالقاني."
قلت:وأبو حاتم لم يلق الطالقاني،ولهذا أوردها بصيغة التمريض.
¥