الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: " عترتي " أكثر مما
يريده الشيعة , و لا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به , ألا و هو أن العترة
فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم , و قد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث
الترجمة: " عترتي أهل بيتي " و أهل بيته في الأصل هم " نساؤه صلى الله عليه
وسلم و فيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في (
الأحزاب): * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا) *
بدليل الآية التي قبلها و التي بعدها: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء
إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض و قلن قولا معروفا. و قرن
في بيوتكن و لا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى و أقمن الصلاة و آتين الزكاة و أطعن
الله و رسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت و يطهركم تطهيرا. و
اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) * ,
و تخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي و فاطمة و الحسن و الحسين رضي
الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا
لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه , و حديث الكساء و ما في معناه غاية ما فيه
توسيع دلالة الآية و دخول علي و أهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير و غيره ,
و كذلك حديث " العترة " قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته
صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته و علي و أهله. و لذلك قال
التوربشتي - كما في " المرقاة " (5/ 600): " عترة الرجل: أهل بيته و رهطه
الأدنون , و لاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله
عليه وسلم بقوله: " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك نسله و عصابته الأدنين و
أزواجه ". و الوجه الآخر: أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء
الصالحون منهم و المتمسكون بالكتاب و السنة , قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه
الله تعالى: " (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه و
على التمسك بأمره ". و ذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا
. ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: " إن أهل
البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت و أحواله , فالمراد بهم أهل العلم منهم
المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه و حكمته. و بهذا يصلح
أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: * (و يعلمهم الكتاب و الحكمة) * "
. قلت: و مثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير
المتقدمة: * (و اذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة) *. فتبين أن
المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم , فتكون هي
المقصود بالذات في الحديث , و لذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم
المقابل للثقل الأول و هو القرآن , و هو ما يشير إليه قول ابن الأثير في "
النهاية ": " سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب و السنة)
و العمل بهما ثقيل , و يقال لكل خطير نفيس (ثقل) , فسماهما (ثقلين) إعظاما
لقدرهما و تفخيما لشأنهما ".
قلت: و الحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة
الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنتي و سنة
الخلفاء الراشدين ... ". قال الشيخ القاريء (1/ 199): " فإنهم لم يعملوا
إلا بسنتي , فالإضافة إليهم , إما لعملهم بها , أو لاستنباطهم و اختيارهم إياها
". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ: " تركت فيكم
أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما , كتاب الله و سنة رسوله ". و هو في " المشكاة
" (186). و قد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين
اليوم في تضعيف حديث الموطأ. و الله المستعان.
الالباني:
(تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) (كتاب العلو للعلى الغفار للالباني ص 61)