صورة الرحمن، قال: و كأن من رواه [رواه] بالمعنى متمسكا بما توهمه فغلط في
ذلك، و قد أنكر المازري و من تبعه صحة هذه الزيادة، ثم قال: و على تقدير
صحتها فيجمل على ما يليق بالباري سبحانه و تعالى "، فقال الحافظ:
" قلت: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في " السنة " و الطبراني من حديث ابن عمر
بإسناد رجاله ثقات، و أخرجها ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة
بلفظ يرد التأويل الأول، قال: " من قاتل فليتجنب الوجه فلأن صورة وجه الإنسان
على صورة وجه الرحمن ". فتعين إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من
إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل
جلاله ".
قلت: و التأويل طريقة الخلف، و إمراره كما جاء طريقة السلف، و هو المذهب،
و لكن ذلك موقوف على صحة الحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، و قد علمت أنه
لا يصح كما بينا لك آنفا، و إن كان الحافظ قد نقل عقب كلامه السابق تصحيحه عن
بعض الأئمة، فقال:
" و قال حرب الكرماني في " كتاب السنة ": سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح أن
الله خلق آدم على صورة الرحمن. و قال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث
صحيح ".
قلت: إن كانوا يريدون صحة الحديث من الطريقين السابقين فذلك غير ظاهر لنا
و معنا تصريح الإمام ابن خزيمة بتضعيفه و هو علم في الحديث و التمسك بالسنة
و التسليم بما ثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم و معنا أيضا ابن قتيبة حيث
عقد فصلا خاصا في كتابه " مختلف الحديث " (ص 275 - 280) حول هذا الحديث
و تأويله قال فيه:
" فإن صحت رواية ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فهو كما قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تأويل و لا تنازع ".
و إن كانوا وقفوا للحديث على غير الطريقين المذكورين، فالأمر متوقف على الوقوف
على ذلك و النظر في رجالها، نقول هذا لأن التقليد في دين الله لا يجوز، و لا
سيما في مثل هذا الأمر الغيبي، مع اختلاف أقوال الأئمة في حديثه، و أنا
أستبعد جدا أن يكون للحديث غير هذين الطريقين، لأن الحافظ لم يذكر غيرهما،
و من أوسع اطلاعا منه على السنة؟ نعم له طرق أخرى بدون زيادة " الرحمن " فانظر
: " إذا ضرب أحدكم .. " و " إذا قاتل أحدكم ... " في " صحيح الجامع " (687
و 716) و غيره.
و خلاصة القول: إن الحديث ضعيف بلفظيه و طريقيه، و أنه إلى ذلك مخالف
للأحاديث الصحيحة بألفاظ متقاربة، منها قوله صلى الله عليه وسلم:
" خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا ".
أخرجه الشيخان و غيرهما " الصحيحة 450 ".
(تنبيه هام): بعد تحرير الكلام على الحديثين بزمن بعيد وقفت على مقال طويل
لأخينا الفاضل الشيخ حماد الأنصاري نشره في مجلة " الجامعة السلفية " ذهب فيه
إلى اتباع - و لا أقول تقليد - من صحح الحديث من علمائنا رحمهم الله تعالى،
دون أن يقيم الدليل على ذلك بالرجوع إلى القواعد الحديثية و تراجم الرواة التي
لا تخفى على مثله، لذلك رأيت - أداء للأمانة العلمية - أن أبي بعض النقاط التي
تكشف عن خطئه فيما ذهب إليه مع اعترافي بعلمه و فضله و إفادته لطلبة العلم
و بخاصة في الجامعة الإسلامية جزاه الله خيرا.
أولا: أوهم القراء أن ابن خزيمة رحمه الله تعالى تفرد من بين الأئمة بإنكاره
لحديث " على صورة الرحمن " مع أن معه ابن قتيبة و المازري و من تبعه، كما تقدم
، و هو و إن كان ذلك في آخر البحث، فقد كان الأولى أن يذكره في أوله حتى تكون
الصورة واضحة عند القراء.
ثانيا: نسب إلى الإمام مالك رحمه الله أنه أنكر الحديث أيضا قبل ابن خزيمة!
و هذا مما لا يجوز نسبته للإمام لأمرين:
الأول: أن الشيخ نقل ذلك عن الذهبي، و الذهبي ذكره عن العقيلي بسنده: حدثنا
مقدام بن داود .. إلخ، و مقدام هذا يعلم الشيخ أنه متكلم فيه، بل قال النسائي
فيه: " ليس بثقة " فلا يجوز أن ينسب بروايته إلى الإمام أنه أنكر حديثا صحيحا
على رأي الشيخ، و على رأينا أيضا لما يأتي.
و الآخر: أن الرواية المذكورة في إنكار مالك ليس لهذا الحديث المنكر، و إنما
للحديث الصحيح المتفق عليه فإنه فيها بلفظ: " إن الله خلق آدم على صورته ".
و كذلك هو عند العقيلي في " الضعفاء " (2/ 251) في هذه الرواية، فحاشا الإمام
¥