تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3. قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (26/ 292 - 294)، وخلاصته أن هذا الأجر من العام الذي أريد به الخصوص، فهو بخصوص بهذه المرأة ومن هو مثلها، فهو عند ابن تيمية لغير المكي الذي يخرج إلى الحل من أجل أن يرجع بعمرة، وكذا هذا الأجر إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم لصحابة رضي الله عنهم فاتهم الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم لما حجَّ حجته المعروفة بحجة الوداع؛ لمانع أعجزهم وأقعدهم عن الحج معه، فابن تيمية رحمه الله جرى في معرض كلامه: أن قوله صلى الله عليه وسلم:"كحجة معي"، إنما هو لمن أراد الحج معه ممن يمكنه أن يحج معه وهم الصحابة رضي الله عنهم في زمنه فتعذر عليهم لمانع ما، وأما من كان بعد الصحابة رضي الله عنهم فهؤلاء غاية ما يحصل لهم من الأجر، "أجر حجة" -دون تقييدها بمعية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأجر غير حاصل في كلام ابن تيمية رحمه الله، إلا إن نوى مسلم الحج في عام من الأعوام فعجز عنه لمانع ما، ثم عوّض ذلك بالاعتمار في رمضان من العام القابل إن أمكنه فيه وإلا حيث أمكن من الأعوام المستقبلة واستمر مانع الحج، وكان من قول شيخ الإسلام (26/ 293): ((يُبيِّن هذا أن بعض طرقه في الصحيح أنه قال للمرأة: "عمرة في رمضان تعدل حجة معي"، ومعلوم أن مراده أن عمرتك في رمضان تعدل حجة معي فإنها كانت قد أرادت الحج معه فتعذر ذلك عليها، فأخبرها بما يقوم مقام ذلك، وهكذا من كان بمنزلتها من الصحابة، ولا يقول عاقل ما يظنه بعض الجهال: أن عمرة الواحد منا من الميقات أو من مكة تعدل حجة معه، فإنه من المعلوم بالاضطرار أن الحج التام أفضل من عمرة رمضان، والواحد منا لو حجَّ الحج المفروض لم يكن كالحج معه فكيف بعمرة، وغاية ما يحصله الحديث: أن يكون عمرة أحدنا في رمضان من الميقات بمنزلة حجة، وقد يقال هذا لمن كان أراد الحج فعجز عنه فيصير بنية الحج مع عمرة رمضان كلاهما تعدل حجة لا أحدهما مجردا، وكذلك الإنسان إذا فعل ما يقدر عليه من العمل الكامل مع أنه لو قدر لفعله كله؛ فإنه يكون بمنزلة العامل من الأجر، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم")) ا. ه كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، قلت: حديث:"إذا مرض العبد .. " إنما يرويه البخاري دون مسلم، وهو من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

وإذا تأمل الباحث كلام شيخ الإسلام وجده ظاهراً صحيحاً من جهة كلامه عن المعية النبوية الواردة في فضل العمرة في رمضان، وأن العمرة في رمضان إنما تعدل حجة لعامة المسلمين، ولكن من نواها مع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله عنهم يوم أن حج حجة الوداع فمنعه مانع فهذا له أجر هذه الحجة مع النبي صلى الله عليه وسلم إن اعتمر في رمضان، لأن التي فاتته ليست أيُّ حجة، إنما هي حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا كله على فرض صحة هذه الزيادة وإلافالذي تطمئن إليه نفسي أنها زيادة غير صحيحة.

وأما الجهة الأخرى في كلام شيخ الإسلام وهو الكلام على إطلاق هذا الفضل بغض النظر عن المعية، أي حصول أجر حجة لمن اعتمر في رمضان، فشيخ الإسلام لا يرى هذا الإطلاق، وإنما يرى هو ومثله ابن القيم في حاشيته على سنن أبي داوود وزاد المعاد أن هذا ليس للمكيين الذين يخرجون إلى الحلِّ، وأن هذا إنما قاله صلى الله عليه وسلم لمن فاته الحج لعارض منعه، ويرون أن هذا الحديث إنما هو كقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس من البر الصيام في السفر"، متفق عليه من حديث جابر رضي الله عنه، إذ ليس فيه الرغبة عن الصيام في السفر وإنما فيه أنه من كان حاله كهذا الرجل الذي ظُلِّلَ عليه وأصابه ضعفٌ شديدٌ وإعياءٌ بسبب صيامه في السفر؛ فمثل هذا ليس من برِّه وطاعته لربه أن يُهْلِكَ نفسه أو يقارب الهلاك بصومه في سفره، ولذا قال ابن دقيق العيد رحمه الله في شرحه على حديث: "ليس من البر ... " وفي معرض رده على المستدلين به على المنع من الصيام في السفر لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال ابن دقيق: "ويجب أن تتنبه للفرق بين دلالة السياق والقرائن الدالة على تخصيص العام وعلى مراد المتكلم، وبين مجرد ورود العام على سبب، ولا تجريهما -كذا بالياء- مجرى واحداً، فإن مجرد ورود العام على

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير